الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَمَنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { قُلْ صَدَقَ ٱللَّهُ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

قوله: { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } السبب في نزولها: أن النبي قال: " أنا على مِلَّة إبراهيم. فقالت اليهود: وكيف وأنت تأكل لحوم الإبل، وتشرب ألبانها؟ فقال: " كان ذلك حلالاً لإبراهيم، فقالوا: كل شيء نُحرِّمه [نحن] فإنه كان مُحرَّماً على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا، فأكذبهم الله بهذه الآية ".

والحِلّ والحَلال كالحُرُم والحَرَام، واللُّبس واللِّبَاس. وجائز أن يكون الحل مصدراً، ولذلك استوى في الوصف المذكَّر والمؤنث، والواحد والجمع، نحو قوله:لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ } [الممتحنة: 10].

{ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } وفيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه لحوم الإبل وألبانها. روي عن النبي، وهو قول ابن عباس في رواية أبي صالح، والحسن، وعطاء.

والثاني: زائدتا الكَبد، والكليتان، والشحم إلا ما على الظهر. قاله عكرمة.

والثالث: العروق. قاله مجاهد وقتادة، وروي عن ابن عباس.

وكان السبب في تحريمه له ما روى شهر بن حوشب عن ابن عباسٍ: " أنّ عِصَابَةً مِنَ اليَهُودِ حَضَرَتْ رَسُولَ الله فَقَالُوا: أخبرنا يا أحمدُ أَيُّ الطَّعَامِ حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاة؟ فقَالَ النبي: أَنْشُدُكُمْ بالله الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ يَعْقُوبَ مَرِضَ مَرَضاً شَدِيداً، فَطَالَ سَقَمُهُ منه، فَنَذَرَ لله لَئِنْ عافاه الله مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الطعام والشَّرَاب إِلَيْهِ، وكَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانُ الإِبلِ، وَأَحَبَّ الشَّرَاب إِلَيْهِ أَلبَانُهَا، فَقَالُوا: اللهمَ نَعَمْ ".

وروي عن ابن عباس: أن الأطباء وصفوا له اجتناب ما حرَّمه، فحرَّمه.

وروي عن ابن عباس: أنه شكى عرق النَّسَا، فحرَّم العروق.

واختلفوا هل حرَّم ذلك بإذن الله أم باجتهاده؟ على قولين.

واختلفوا لماذا ثبت تحريمه على اليهود؟ فقال ابن عباس: قال يعقوب: لئن عافاني الله لا يأكله لي ولد.

وقال الضحاك: وافقوا أباهم في التحريم.

وقال ابن السائب: حرّمه الله بعد التوراة، لا فيها، وكانوا إذا أصابوا ذنباً عظيماً حُرِّم عليهم طعام طيب، أو صُبَّ عليهم العذاب.

{ قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا } لتعرفوا أن هذا التحريم كان من جهة يعقوب، ولم يكن من زمن إبراهيم ولا نوح، { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } فيما تدَّعون من التحريم.

ومعنى الآية: أن المطاعمَ كلَّها كانت حلالاً لبني إسرائيل من قبل نزول التوراة، وتحريم ما حُرِّم عليهم منها لظلمهم وبغيهم، لم يحرّم منها شيء قبل ذلك سوى المطعوم الذي حرَّمه يعقوب على نفسه، فتبعه أولاده على تحريمه.

وتتضمن الآية أيضاً تكذيبهم حيث أرادوا براءة ساحتهم مما عيَّرهم الله به في قوله:فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } [النساء: 160]... إلى قوله:عَذَاباً أَلِيماً } [النساء: 161]، وفي قوله:وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا }

السابقالتالي
2