الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } * { قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

قوله: { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } قرأ أبو عمرو بالياء، و " ترجعون " بالتاء المعجمة من فوق، وقرأهما الباقون بالتاء فيهما، إلا حفصاً فإنه قرأهما بالياء المعجمة من تحت بنقطتين.

قال ابن عباس: اختصم أهل الكتاب، فزعمت كل فرقة أنها أولى بدين إبراهيم، فقال النبي: " كلا الفريقين بريءٌ من دين إبراهيم " ، فغضبوا، وقالوا: والله ما نرضى بقضائك، ولا نأخذ بدينك، فنزلت: { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } ، وهو دين محمد.

{ وَلَهُ أَسْلَمَ } أي: انقاد وخضع { مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً } يومأَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172] أو هو إقرارهم أن الله خالقُهم ورازقُهم وإن أشرك بعضهم، أو هو استسلامهم لنفاذ أمر الله فيهم، أو يكون إسلام الكافر إذا رأى بأس الله،فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [غافر: 84] أو سجود ظله، أو هو من العام الذي أريد به الخاص، تقديره: مَن في السموات والأرض من المسلمين.

قوله: { قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ... الآية } سبق تفسيرها في سورة البقرة. وإنما أتى هاهنا بحرف الاستعلاء وفي البقرة بحرف الانتهاء لصحة المعنيين؛ لأن الوحي ينزل من السماء وينتهي إلى المؤمنين والأنبياء.

وقيل: إنما قال هاهنا: { وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا } لأن الأمر بالقول للنبي، وفي البقرة: الأمر للمؤمنين، والوحي ينتهي إليهم، والرسل يأتيهم الوحي بطريق الاستعلاء، وأَوْرَدُوا على هذا القول:إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ } [النساء: 105]،وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ } [النحل: 44]،آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [آل عمران: 72]، فلم يُرَاعَ هذا المعنى.

ويمكن أن يقال في الجواب عن هذا: الفرق المذكور صالح للتعليل به، وتجويز غيره لا يمنع من صلاحية التعليل به.

وما بعده مفسرٌ أو ظاهرٌ إلى قوله: { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ } هم طائفة ارتدوا عن الإسلام، منهم الحارث بن سويد، فندم وعاد إلى الإسلام، فاستثناه الله بقوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ }.

وقيل: نزلت في اليهود، كفروا بالنبي حسداً بعد إيمانهم به قبل مبعثه. والقولان عن ابن عباس.

والاستفهام هاهنا بمعنى الجحد، أي: لا يهدي الله قوماً هذا شأنهم. ومثله:كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ } [التوبة: 7].

ومثله قول ابن الرقيات:
كَيْفَ نَوْمِي عَلَى الفِرَاشِ وَلمَّا   تَشْمَلِ الشَّامَ غَارَةٌ شَعْوَاءُ
تُذْهِلُ الشَّيْخَ عَنْ بَنِيهِ وَتُبْدِي    عَنْ خِدَامِ المَلِيحَةُ الحَسْنَاءُ
{ وَشَهِدُوۤاْ } عطف الفعل على ما اشتمل عليه الاسم من معنى الفعل، تقديره: بعد أن آمنوا وشهدوا، أو تكون الواو للحال، أي: وقد شهدوا.

قوله: { خَالِدِينَ فِيهَا } أي: في عذاب اللعنة.

ثم استثنى من تاب وأناب فقال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ... } الآية.

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } وهم الذين ارتدوا مع الحارث ولم يرجعوا عن كفرهم، قالوا: نقيم بمكة ونتربص بمحمد رَيْبَ المنون.

السابقالتالي
2