الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } * { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ }

قوله عز وجل: { وَإِنَّ مِنْهُمْ } يعني: أهل الكتاب، { لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ } أي: يقلبونها بالتحريف والزيادة.

والأَلْسِنَة: جمع لِسَان، كَحِمَار وأَحْمِرَة.

قال أبو عمرو: واللسان يُذكَّر ويُؤنَّث، فمن ذَكَّره جمعه: أَلْسِنَة، ومَن أنَّثه جمعه: أَلْسُناً.

وقال الفرّاء: اللسان بعينه لم نسمعه من العرب إلا مُذكَّراً، تقول العرب: سبق من فلان لسان؛ يعنون به الكلام، فيُذكِّرونه.

أنشد ابن الأعرابي:
[لِسَانُكَ] مَعْسُولٌ وَنَفْسُكَ شَحَّةٌ   وَعِنْدَ الثُّرَيَّا من صَدِيقِكَ مَالِكا
وأنشد ثعلب:
نَدِمْتُ عَلى لِسَانٍ كَانَ مِنِّي   فَلَيْتَ بأَنَّهُ في جَوْفِ عِكْمِ
اللسان لإرادته الكلام.

وأنشد ثعلب:
تْنِي لِسَانُ بَنِي عَامِرٍ   أَحَادِيثُها بَعْدَ قَوْلٍ نُكْرِ
اللسان؛ لأنه عنى الكلمة والرسالة.

قوله عز وجل: { مَا كَانَ لِبَشَرٍ... الآية } قال ابن عباس: سبب نزولها أن قوماً من رؤساء اليهود والنصارى قالوا: يا محمد؛ أتريد أن نتخذك رباً، فقال: " معاذ الله، ما بذلك بعثني ربي ".

وقال الضحَّاك: نزلت في نصارى نجران حيث عبدوا عيسى.

فعلى القول الأول: المراد بالكتاب: القرآن.

وعلى القول الثاني: الإنجيل.

والمعنى: ما ينبغي ولا يصلح لبشر خصّه الله بإنزال الكتاب عليه، وأنعم عليه بالحكمة والنبوة أن يدعوَ الخلق إلى غير الحق.

{ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ } أي: ولكن يقول لهم كونوا ربانيين.

قال المبرد: الرَّبَّاني الذي يَرُبُّ العلم، ويَرُبُّ الناس، أي: يعلمهم ويصلحهم.

وحكى ابن الأنباري عن بعض اللغويين: الرَّبَّاني منسوب إلى الرَّبّ، لأن العلم مما يُطاع الله به، فدخلت الألف والنون في النسبة للمبالغة، كما قالوا: رجل لِحْياني، إذا بالغوا في وصفه بكبر اللِّحْيَة.

قال عليّ رضي الله عنه: الربانيون: الذين يغذون الناس بالحكمة، ويربونهم عليها.

وقال ابن عباس: هم الفقهاء العلماء الحكماء.

وقد روي عن محمد ابن الحنفية أنه قال يوم مات ابن عباس: اليوم مات رباني هذه الأمة.

{ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ } قرأ ابن عامر وأهل الكوفة: " تُعلّمون " بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف. فمَن شدَّد فلما فيه من المبالغة في الوصف بالعلم والتعليم، ومَن خفَّفه حمله على قوله: { تَدْرُسُونَ } ، فطابق بين الفعلين وجانس بين اللفظين.

وفي حرف ابن مسعود: " تُدَرِّسُون " بالتشديد.

قوله: { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ } قرأ الأكثرون بالرفع، ونصبه ابن عامر وعاصم وحمزة عطفاً على " يقول ". وفيه وجهان:

أحدهما: أن تجعل " لا " مزيدة لتأكيد النفي في قوله: " ما كان لبشر ". والمعنى: ما كان لبشر أن يختصه الله للنبوة والحكمة وينصبه لدعاء الخلق إلى الله، ثم يأمر الناس بأن يكونوا عباداً له، كما تقول: ما كان لزيد أن أكرمَه ثم يُهينني.

والثاني: أن تجعل " لا " غير مزيدة، على معنى: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب، ثم يقول: ولا أن يأمركم.

ومن رفع قطعه مما قبله.

والضمير في " ولا يأمركم " ، وفي " أيأمركم " للبشر.

وقيل: لله.

{ أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ } استفهام بمعنى الإنكار. وفي قوله: { بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } دليل على أن الخطاب للمسلمين.