الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً }.

أخرجا في الصحيحين: أن الأشعث بن قيس قال: " كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِن اليَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَنِي، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبي، فَقَالَ لي رَسُولُ الله: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قُلْتُ: لا, فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِفْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِذاً يَحْلِفُ فَيَذهَبُ بمَالي، فَأَنْزَلَ الله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ … الآيَةِ } ".

وفي صحيح مسلم من حديث أَبي أُمَامَة قال: كنا عند رسول الله فقَالَ: " مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ الله لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الجَنَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يا رسول الله؛ وَإِنْ كَانَ شَيْئاً يَسِيراً. قَال: وَإِنْ كان قَضِيباً مِنْ أَرَاكٍ ".

هذا هو المشهور في التفسير.

وقال عكرمة ومقاتل: نزلت في الذين كتموا صفة النبي من اليهود، لِمَا كانوا يأخذونه من سفلتهم من الدنيا.

فالعهد -على القول الأول-: ما أخذه عليهم من لزوم الطاعة.

وعلى القول الثاني: ما أخذه عليهم من بيان صفة النبي محمد عليه السلام.

{ أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } أي لا نصيب لهم في الجنة ونعيمها، { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ } لهوانهم عليه، أو هو كناية عن غضب الله عليهم، وإعراضه عنهم.

قال الزجاج: تقول: فلان لا ينظر إلى فلان ولا يكلمه، معناه: أنه غضبان عليه.

{ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ } أي: لا يُطهّرهم من دنس كفرهم وذنوبهم، أو لا يثني عليهم.

وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر عن النبي قال: " ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُم الله يَوْمَ القِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِم، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. فقَالَ أَبُو ذرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا يَا رَسُولَ الله، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: المُسْبلُ، وَالمَنَّانُ، وَالمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الكَاذِب ".

فإن قيل: إن حملت الآية على اليهود فلا إشكال فيها، وإن كانت في حق الذين يفعلون ذلك من المسلمين فما وجهها؟ وقد علمنا بالدليل القطعي أن فسقهم لا يوجب انتفاء نصيبهم من الجنة، ولا لزوم ما ذكر؟.

قلت: إما أن يُحمل على التغليظ، وإما أن يُراد به: لا خلاق لهم بأول وهلة، بل لا بد من عذابهم، وإيقاع ما يستحقونه بهم، ولا يكلمهم الله كلاماً ينفعهم، ولا يثني عليهم.

وإما أن يكون من الوعيد لمن فعل ذلك مستحلاً فإنه يكفر، ويستحق جميع ما تُوعّد به.