الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } قال ابن عباس: أَوْدَعَ رجلٌ عبد الله بن سلام ألفاً ومائتي أوقية من ذهب فأدَّاها إليه، فمدحه الله بهذه الآية، وأودع رجل فنحاص بن عازوراء ديناراً، فخانه، فذمَّه الله بهذه الآية.

وقال مقاتل: الأمانة ترجع إلى من أسلم من أهل الكتاب، والخيانة إلى مَن لم يسلم.

وقيل: أن الذين يؤدون الأمانة: النصارى؛ لغلبة الأمان عليهم، والذين لا يؤدونها: اليهود؛ لغلبة الخيانة عليهم.

والباء بمعنى: على، وقد سبق ذكر القنطار.

والدينار: فارسي معرب، وأصله دِنَّارٌ، كما قدَّمنا ذكره، وهو وإن كان معرَّباً، فليس تَعْرفُ له العرب اسماً غير الدينار، فقد صار كالعربي، ولذلك اشتقوا منه [فعلاً]، فقالوا: رجل مُدَنَّرٌ: كثير الدنانير، وبرْذَوْنٌ مُدَنَّرٌ: [أشهب] مستدير النقش ببياض وسواد.

والمراد بقوله: { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً } لزوم التقاضي.

فصل

اختلف القراء في الهاء المتصلة بالفعل المجزوم، فقرأ أبو بكر وأبو عمرو وحمزة: " يُؤَدِّهِ " ، و " لاَ يُؤَدِّهِ " ، و " نُؤْتِهِ مِنْها " في موضعين في هذه السورة. وفي النساء: " نُوَلِّهِ " ، " ونُصْلِهِ " ، وفي الشورى: " نُؤْتِهِ مِنْها " بإسكان الهاء في السبعة، وقرأ ذلك قالون بكسر الهاء من غير ياء. وقرأ الباقون بصلة الهاء بياء في الوصل.

وحُجَّة من قرأ بالإسكان: أن هذه الأفعال قد حُذفت الياء التي قبل الهاء فيها للجزم، وصارت الهاء في موضع لام الفعل، وحلّت محلها، فأسكنت كما تسكن لام الفعل.

ألا ترى أنهم قد قالوا: لم يَقْرْ فلان القرآن، فحذفوا حركة الهمزة للجزم وأبدلوا من الهمزة الساكنة ألفاً لانفتاح ما قبلها، ثم حذفوا أيضاً الألف للجزم، كذلك حذفوا الباء قبل الهاء للجزم، وأسكنوا الهاء للجزم، إذ حلت محل لام الفعل.

وليست هذه العِلَّة بالقوية.

وفيه عِلَّة أخرى: وذلك أن مِنَ العرب مَنْ يُسكِّن هاء الكناية إذا تحرك ما قبلها، فيقولون: ضَرَبْتُهْ ضرباً شديداً. يحذفون صلتها، ويُسكِّنونها كما يفعلون بميم الجمع، فالهاء إضمار والميم إضمار، فجريا مجرىً واحداً في جواز الإسكان. وقد كان يجب أن يكون الحذف مع الهاء أقوى منه مع الميم، لأن صلة الميم أصل من الاسم المضمر، وصلة الهاء إنما هي تقوية، فإذا حسن حذف ما هو أصل، فحذف ما هو غير أصل أقوى. وهذا الوجه أقوى من الأول على ضعفه أيضاً.

وحُجَّة مَن قرأ بالكسر من غير ياء: أنه أجرى على أصله، قبل الجزم.

وحُجَّة من وصل بياء: أن الهاء حرف ضعيف خفي، فقوي بالياء في الكسر، وبالواو في الضم.

والسبعة وجمهور القرّاء على ضم الدال من " دُمْتَ " ، وهي لغة أهل الحجاز، لأنها من دَامَ يَدُومُ.

السابقالتالي
2