الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

قوله: { وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } قال ابن عباس: نزلت في قول اليهود لمعاذ بن جبل، وعمار بن ياسر: تركتما دينكما، واتبعتما دين محمد.

قوله تعالى: { لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } يعني: القرآن، والآيات المشتملة على نعته، والشهادة برسالته في التوراة والإنجيل { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } أنها حق.

قوله: { لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ } وهو إيمانهم بالنبي أول النهار، وكُفْرهم به آخره.

يقصدون بذلك إدخال الشبهة، وإيقاع الريبة في قلوب المسلمين، وقد سبق تفسير الآية في البقرة.

قوله: { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } قال الحسن: تواطأ اثنا عشر رجلاً من أحبار اليهود، فقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد باللسان أول النهار، واكفروا آخره، وقولوا: بأنَّا نظرنا في كتبنا، وشاورنا علماءنا، فوجدنا محمداً ليس بذلك المنعوت، المبعوث آخر الزمان، فيشك أصحابه في دينهم. ويقولون: هم أهل الكتاب، وهم أعلم منا، فيرجعون إلى دينهم، فنزلت هذه الآية.

ووجه النهار: أوله.

وأنشدوا:
مَنْ كَانَ مَسْرُوراً بمَقْتَلِ مَالِكٍ   فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بوَجْهِ نَهَارِ
يَجِدِ النِّسَاءَ حَوَاسِراً يَنْدُبْنَهُ   قَدْ قُمْنَ قَبْلَ تَبَلُّجِ الأَسْحَارِ
قوله: { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } هذا من تمام كلام اليهود، يقول علماؤهم لقلّتهم: لا تُصَدِّقوا إلا مَن تبع دينكم، وجاء باليهودية.

واللام في قوله " لِمَنْ " صلة.

ولا تصدقوا أن أحداً يؤتى مثل ما أوتيتم من العلم، وفَلْقِ البحر، والمن والسلوى، وغير ذلك، ولا تصدقوا أنهم يحاجوكم عند ربكم، لأنكم أقومُ منهم قيلاً، وأهدى سبيلاً.

ويكون قوله على هذا: { قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ } كلاماً معترضاً من الله تعالى، وهذا معنى قول مجاهد والأخفش.

وقيل: إن قوله: " ولا تؤمنوا " متعلقٌ بقوله: " أن يؤتى " على معنى: لا تُظهروا إيمانكم أن أحداً يؤتى مثل ما أوتيتم من الكتاب، إلا لمن تبع دينكم من الأحبار والأشياخ الذين يُؤمَن تزلزلهم ورجوعهم عن دينهم فقط، ولا تفشوا ذلك إلى المسلمين، فيزدادوا ثباتاً على دينهم، وجرأة علينا، ولا تُظهروه للمشركين فيرغبوا في الإسلام.

{ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ } عطف على " أن يوتى " ، على معنى: لا تُظهروا إيمانكم أن أحداً يؤتى مثل ما أوتيتم، أو أنهم يحاجوكم عند ربكم، ويكون لهم الغلبة، إلا لأهل دينكم، وعلى هذا يكون " قل إن الهدى هدى الله " كلاماً معترضاً.

وقيل: تم كلام اليهود عند قوله: " لمن تبع دينكم " ، فقال الله لنبيه: " قل إن الهدى " ، " إن " واسمها " هدى الله " بدل من " الهدى " ، " أن يؤتى " خبر " إنَّ " ، والمعنى: قل إن هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والحق الذي جاءكم به موسى فغيَّرتموه وبدَّلتموه حتى " يحاجوكم عند ربكم " ، أي: في حكم ربكم، كما تقول: هذه المسألة عند أحمد كذا، وعند الشافعي كذا، أي: في حكمه، أو يكون المعنى: حتى يحاجوكم عند الله يوم القيامة، فيقرعوا باطلكم بحقهم.

السابقالتالي
2