الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله عز وجل: { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ } قال ابن عباس: اجتمع عند النبي أحبار اليهود، ونصارى نجران، فقال هؤلاء: ما كان إبراهيم إلا يهودياً، وقال هؤلاء: ما كان إلا نصرانياً، فنزلت هذه الآية.

{ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ } التي حدثت اليهودية بعد نزولها، { وَٱلإنْجِيلُ } الذي نزلت النصرانية بعد نزوله، { إِلاَّ مِن بَعْدِهِ } أي: من بعد موت إبراهيم بدهر طويل، فبين إبراهيم وموسى نحو من ستمائة سنة، وبين موسى وعيسى ألف وثمانمائة سنة.

{ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } استحالة ما ادعيتم، وقبح ما أتيتم، فتُحجمون عن الجدال بالمحال.

قوله: { هٰأَنْتُمْ } قرأ نافع وأبو عمرو بتليين الهمز مع المد، وقرأ ابن كثير بالقصر والهمز، على وزن: هَعَنْتُمْ، وقرأ الباقون بالمد والهمز، وأصله: " ءأنتم " فقلبت الهمزة هاء، فعلى هذا هو استفهام في معنى التعجب من جهلهم.

و قيل: " ها " للتنبيه، " أنتم " مبتدأ، { هؤلاء } خبره.

{ حَاجَجْتُمْ } جملة مستأنفة مبيِّنة للجملة الأولى، على معنى: أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى، وبيان حماقتكم وجهلكم أنكم { حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } ، وقيل: " هؤلاء " [بمعنى: الذين، و " حاججتم " ] صلته، { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ } دين إبراهيم، { وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ذلك.

ثم [وصفه بالحنيفية] ونزَّهه عمَّا نسبوه إليه من اليهودية والنصرانية فقال: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ... الآية }.

قوله عز وجل: { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ } قال ابن عباس: نزلت في رؤساء اليهود، حين قالوا للنبي: لقد علمت أنّا أولى بدين إبراهيم منك، إنه كان يهودياً، وما بك إلا الحسد.

وقيل: إنها نزلت في مخاصمة جعفر بن أبي طالب، وعمرو بن العاص عند النجاشي، وكان من حديثهم ما رواه أبو صالح عن ابن عباس، وعبد الرحمن بن غنم عن أصحاب رسول الله، ويونس بن بكير عن محمد بن إسحاق رفعه، دخل حديث بعضهم في بعض، قالوا: لما هاجر جعفر بن أبي طالب وأصحابه إلى الحبشة، واستقرت بهم الدار، وهاجر رسول الله إلى المدينة، وكان من أمر بدر ما كان، اجتمعت قريش في دار الندوة، وقالوا: إنّ لنا في الذين عند النجاشي من أصحاب محمد ثأراً ممن قُتل منكم ببدر، فاجمعوا مالاً وأهدوه للنجاشي لعله يدفع إليكم مَنْ عنده من قومكم، ولينتدب لذلك رجلان من ذوي آرائكم، فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط معهم الهدايا والأدم وغيره، فركبا البحر وأتيا النجاشي، فلما دخلا على النجاشي سجدا له وسلَّما عليه، وقالا له: إنّ قومنا لك ناصحون وشاكرون، ولصلاحك محبّون، وإنهم بعثونا إليك لنحذرك من هؤلاء القوم الذين قدموا عليك؛ لأنهم قوم رجل كذَّاب، خرج فينا يزعم أنه رسول الله، ولم يتابعه أحد منّا إلا السفهاء، وإنّا كنا قد ضيَّقنا عليهم الأمر وألجأناهم إلى شِعْب بأرضنا، لا يدخل عليهم أحد، ولا يخرج منهم أحد، فلمّا اشتد عليهم الأمر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك ومُلكك ورعيتك، فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم.

السابقالتالي
2 3