الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ } * { فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ }

وقد روي عن الحسن البصري قال: " جاء راهبا نجران إلى رسول فعرض عليهما الإسلام، فقالا: إنا قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما، يمنعكما من ذلك ثلاث: أكلكما الخنزير، وعبادتكما الصليب، وقولكما: لله ولد. قالا: فمن أبو عيسى؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ }... - إلى قوله:- { لاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ } ".

والمعنى: إن مَثَلَ عيسى عند الله في الخلق والإنشاء من غير أب وإيجاده إيجاداً خارقاً للعادة، كمَثَلِ آدم، وكون آدم خُلِق من غير أبوين لا يمنع من تشبيه عيسى به في أحد الطرفين، إذ المماثلة لا تقتضي المشاركة من كل وجه، وفي ضمن تمثيل عيسى بآدم قطعٌ لحُجَّة الخصم بأبلغ الطرق، حيث اعتقد استحقاق عيسى للإلهية بإيجاده من غير أب، فأورد عليه ما هو أعجب من عيسى، وهو آدم.

وبلغنا أن بعضَ العلماء أسرته الروم، ففاوضوه يوماً في ذكر عيسى، فقال: لِمَ تعبدونه؟ فقالوا: لأنه لا أب له، قال: فآدم أولى لأنه لا أبوين له، قالوا: كان يُحْيي الموتى، قال: فحزقيل أولى، لأن عيسى أحيا أربعة أنفس وحزقيل أحيا ثمانية آلاف، قالوا: فكان يبرئ الأكمه والأبرص، قال: فجرجيس أولى لأنه طُبخ وأُحْرِق، ثم قام سالماً.

قوله: { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } يعني: صوَّره وقدَّره جسداً من طين، لا روح فيه. { ثُمَّ قَالَ لَهُ } أي لآدم، وقيل: لعيسى، { كُن فَيَكُونُ } أي: فكان، وقد قررنا مثل ذلك في قوله:وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ } [البقرة: 102].

{ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } ، أي: هذا الحق من ربك، أو أتاك الحق، أو هو مبتدأ وخبر.

ثم خاطب المؤيّد بالعصمة بالنهي عن الامتراء، وهو: الشك فيما جاءه من الأنباء، لينبه الغافل، ويثبت العاقل، فقال: { فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ }.

قوله: { فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ } أي: في عيسى، وقيل: في الحق.

{ فَقُلْ تَعَالَوْاْ } قال الفرَّاء: أصلها من العلو، ثم إن العرب لكثرة استعمالهم إياها صارت عندهم بمنزلة " هلم " حتى استجازوا أن يقولوا للرجل وهو فوق شرف: تعال، أي: اهبط.

وقرأ الحسن: تعالُوا -بضم اللام-، والأصل فيه: تعالَيُوا، تفاعَلُوا من العلو، فاستثقلوا الضمة على الياء فأسكنوها ثم حذفوها وبقيت اللام على فتحها. ومَن ضمّ نقل حركة الياء المحذوفة إلى اللام.

{ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا } أي: يَدْعُ كل مني ومنكم. وأبناؤه فاطمة وابناها، { وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ } يعني: نفسه الكريمة.

قال الإمام أبو الفرج ابن الجوزي رحمة الله عليه: في قوله: " وأنفسنا " ، خمسة أقوال:

أحدها: أنه أراد عليّ بن أبي طالب. قاله الشعبي، والعرب تُخبر عن ابن العم بأنه نفس ابن عمه.

والثاني: أنه أراد الإخوان. قاله ابن قتيبة.

والثالث: أراد أهل دينه.

السابقالتالي
2