الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ }

قوله تعالى: { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } " إذ " ظرف لـ " خير الماكرين " ، أو لـ " مكر الله ".

قال ابن قتيبة: التوفّي من استيفاء العدد. يقال: تَوَفَّيْتُ واسْتَوْفَيْتُ.

قال الحسن وابن جريج وابن قتيبة والفرّاء في آخرين: المعنى: إني قابضك [من الأرض] وافياً تاماً، من غير أن تنالَ اليهود منك شيئاً.

{ وَرَافِعُكَ } من الدنيا، { إِلَيَّ } من غير موت.

وقال الربيع بن أنس: المعنى: إني مُنيمك، ورافعك إليّ في نومك، من قوله:وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ } [الأنعام: 60].

وقال بعض أهل المعاني: إني متوفيك عن شهواتك، وحظوظ نفسك.

قال وهب بن منبه: كساه الله الريش وألبسه النور، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، فصار ملكياً إنسياً، سمائياً أرضياً.

فعلى هذه الأقوال الكلام على نظمه.

وروي عن ابن عباس أنه قال: " إني متوفيك " أي: مميتك.

ثم اختلف فيه على قولين:

أحدهما: أنه على نظمه أيضاً.

قال وهب: توفاه الله ثلاث ساعات من النهار، ثم رفعه إليه.

الثاني: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، معناه: إني رافعك إليّ ومطهرك ومتوفيك بعد إنزالك من السماء.

وتكون الحكمة في إعلامه بوفاته بعد إنزاله من السماء تعريفه أن رفعَه إلى السماء غيرُ عاصم له من الموت المحتوم على أولاد آدم.

قوله: { وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } قال سعيد بن المسيب: رُفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.

وقال غيره: حملت به مريم وهي ابنة ثلاث عشرة سنة، وولدته ببيت لحم من أرض أُوْرِي شَلَّمْ لمضي خمس وستين سنة من غلبة الإسكندر على أرض بابل، وأوحي إليه على رأس ثلاثين سنة، ورُفع وهو ابن ثلاث وثلاثين، فكانت نبوته ثلاث سنين.

قال مقاتل: رفع من بيت المقدس ليلة القدر في رمضان.

وعاشت أمه مريم بعد رفعه ست سنين، ولما صُلِب شَبَهُهُ جاءت مريم تبكي عنده، فجاءها عيسى فقال: عَلامَ تبكين؟ قالت: عليك، فقال: إن الله رفعني، ولم يصبني إلا خير، وإن هذا شيء شُبِّهَ لهم.

قال وهب: طرقوا عيسى في بعض الليل ليصلبوه، فلما أرادوا صلبه أظلمت الأرض، فأرسل الله الملائكة فحالوا بينه وبينهم، وصلبوا مكانه رجلاً يقال له: يهوذا، وهو الذي دَلَّهُم عليه، وذلك أن عيسى عليه السلام جمع الحواريين تلك الليلة وأوصاهم، ثم قال: لَيكفرنّ بي أحدكم قبل أن يصيح الديك، ويبيعني بدراهم يسيرة، فخرجوا وتفرَّقوا، وكانت اليهود [تطلبه]، فأتى الحواري إلى اليهود، فقال: ما تجعلون لي إنْ دَلَلْتُكم على المسيح؟ فجعلوا له ثلاثين درهماً، فأخذها ودلَّهم عليه، فألقى الله عليه شَبَهَ عيسى لما دخل البيت، ورُفع عيسى، فأُخِذَ الذي دلّهم عليه، فقال: أنا الذي دَلَلْتُكم عليه، فلم يلتفتوا إلى قوله وقتلوه وصلبوه، وهم يظنون أنه عيسى.

السابقالتالي
2