قوله: { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَٰبَ } وقرأ نافع وعاصم: " ويُعلِّمه " بالياء، عطفاً على " يبشرك " ، و " يكلّم ". قال ابن عباس: نعلمه كتب النبيين وعلمهم، [ { وَٱلْحِكْمَةَ }: الفقه] وقضاء النبيين. وقيل: الكتاب: الكتابة. { وَرَسُولاً } أي: ويكلِّم الناس رسولاً، أو: ونجعله رسولاً. أو هو معطوف على " وجيهاً ". { أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ } موضعه خفض، بدل من " آية " ، أو رفع على معنى: الآية: أنّي أخلق. وقرأ نافع: " إنّي أخلق " بكسر الهمزة على الاستئناف. ومعنى " أخلق لكم ": أقدّر لكم، { مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } وهو جمع طائر؛ كزائر وزَوْر، { فَأَنفُخُ فِيهِ } أي: في الشيء المشابه لهيئة الطير، فيكون الضمير للكاف، وكذا الضمير للكاف في قوله في المائدة:{ فَتَنفُخُ فِيهَا } [المائدة: 110]، ولا يرجع إلى الهيئة، لأنها ليست من خلق عيسى. وقال أبو عليّ الفارسي: جائز أن يكون " فيه " للطير، و " فيها " للهيئة. وجائز أن يكون ذَكَّرَ الطير على [المعنى الجمع، وَأَنَّثَّ] على معنى الجماعة. وقال غيره: " فأنفخ فيه ": أي: في الطين. قال ابن عباس: أخذ طيناً فصنع منه خُفَّاشاً، ونفخ فيه، فإذا هو يطير. ويقال: لم يخلق سوى الخُفَّاش. قال أبو سعيد الخدري: قال لهم عيسى: ماذا تريدون؟ قالوا: الخُفَّاش. فسألوه أشدّ الطير خلقاً، لأنه يطير بغير ريش. وقال وهب: كان الذي صنعه عيسى يطير ما دام الناس ينظرونه، فإذا غاب عنهم سقط ميتاً؛ ليتميز فعل الخلق من فعل الخالق. قرأ نافع هنا وفي المائدة: " فيكون طائراً " على معنى: فيكون ما أخلق طائراً. قوله: { وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ } وهو الذي يولد أعمى. وقيل: هو الأعمى مطلقاً. وقد قيل: لم يولد في هذه الأمّة أَكْمَه سوى قتادة بن دعامة السدوسي، صاحب التفسير. { وٱلأَبْرَصَ } الذي به وَضَحٌ، وكان الغالب عليهم طلب الطِّبّ، فأيَّد الله حُجّته، وشيد معجزته بأن أبرأ على يديه ما لا يقدر حُذَّاق الأطباء عليه. قال وهب: ربما اجتمع على عيسى من المرضى في اليوم الواحد خمسون ألفاً، وإنما كان يداويهم بالدعاء. قوله: { وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } قال المفسِّرون: أحيا أربعة أنفس: عازر، وكان صديقاً له، أحياه بعد ثلاثة أيام، وابن العجوز أحياه بعد أن حُمِل على نعشه، فرجع إلى بيته حاملاً نعشه، وابنة عشار، وسام بن نوح. قال ابن عباس: بقي الأربعة حتى وُلِد لهم إلا سام بن نوح. وروي أن عيسى دعاه باسم الله الأعظم، فخرج سام من قبره فقال: قد قامت القيامة؟ فقال عيسى: لا ولكن دعوتك باسم الله الأعظم، ثم قال له: مُتْ، قال: سَلِ الله أن يعيذني من سكرات الموت، فدعا الله ففعل.