الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } * { ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }

قوله: { وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ } وهو جبريل، { يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ } بالقبول والنَّبات الحسن، وتكليم جبريل، وولادة المسيح عيسى من غير أب، وغير ذلك، { وَطَهَّرَكِ } من دنس الآثام.

وقال ابن عباس: من الحيض.

وقيل: طهّرك من مسّ الرجال.

وقال مجاهد: من الكفر.

وقال مقاتل: من الفاحشة والإثم.

{ وَٱصْطَفَـٰكِ } ثانياً على نساء عالمي زمانك بالفضل، أو هو على عمومه. ويكون الاصطفاء الذي امتازت به على نساء العالمين: ولادتها عيسى من غير أب.

وفي الصحيحين من حديث علي، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله يقول: " خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ ".

وفي صحيح مسلم: " فأشار وكيع إلى السماء والأرض ".

وفيهما أيضاً من حديث أبي موسى، قال: قال رسول الله: " كَمُلَ مِن الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِن النِّسَاءِ إِلا مَرْيَمُ بنْتُ عِمْرَانَ، وآسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ ".

قوله عز وجل: { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ } قال ابن عباس: قومي في الصلاة بين يدي ربك.

وقال مجاهد: أطيلي القيام في الصلاة.

وقال قتادة: أطيعي ربك.

فإن قيل: كيف قدّم السجود على الرّكوع؟

قلت: الواو للجمع، لا للترتيب لأنها نظير التثنية، على أنّه قد قيل: إن السجود في شريعتهم كان مقدَّماً على الركوع.

وفي قوله: { وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } أَمْرٌ لها بالجماعة، أو يكون المعنى: كوني في عِدادِ الراكعين، وانتظمي في سلكهم.

وأراد بالراكعين: الرجال والنساء، إذ لو كان المراد النساء فقط لقال: مع الراكعات.

قال مجاهد: سجدت حتى قرحت.

وقال الأوزاعيّ: قامت في الصلاة حتى تورّمت قدماها وسالتا دماً وقيحاً.

قوله: { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما اقتصه على نبيّه، من أخبار زكريا، ويحيى، ومريم، وعيسى.

{ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ } أي: مما غاب عنك يا محمّد علمه.

{ نُوحِيهِ إِلَيكَ } أي: نلقيه عليك بإرسال جبريل إليك، { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ } أي: ما كنت حاضراً عندهم، { إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ } وهي التي يكتبون بها. وقيل: عصيّهم، { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أيهم يكفل مريم تنافساً فيها.

فإن قيل: معلومٌ قطعاً أنه لم يكن عندهم، فما الفائدة في الإخبار عن ذلك؟

قلت: إقامةُ الحُجَّة على الكفار برسالة محمد، لأنّ طريق العلم بالشيء، إما الرؤية أو السماع، وقد علموا قطعاً أن محمداً لم يكن من أهل الكتاب، ولا متشاغلاً بسماع العلم ولا دراسته، ولا كان حاضراً عند أسلافهم.

فإذا حدّثهم بما لا يعلمه إلاّ الراسخون في العلم منهم، من أنباء أنبيائهم وقصص أسلافهم، ظهرت الحُجَّة عليهم بأنه بطريق الوحي.

فإن قيل: لم سمّي عيسى المسيح؟

قلت: فيه أوجه:

أحدها: أنه لم يمسح ذا عاهة إلا برأ.

السابقالتالي
2