الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } * { قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ }

قال المفسِّرون: فلما عاين زكريا هذه الآية، ورأى خَرْقَ الله العادة بإيجاد الفاكهة في غير أوانها، طمع في الولد على الكبر، فذلك قوله: { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ }.

قال المفضل: أكثر ما يقال " هنالك " في الزمان، و " هناك " في المكان، وقد يُجعل هذا مكان هذا.

وقال غيره: يستعار: هنا، وثمَّ، وحيث، للزمان.

وجائز أن يكون معنى " هنالك ": في ذلك المكان عند مريم في المحراب. وجائز أن يكون في ذلك الوقت.

والذُرِّية تقع على الواحد والجمع، والذكر والأنثى، والمراد هنا واحد، بدليل قوله:فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } [مريم: 5]، وأَنَّثَ " طَيِّبَةً " لتأنيث لفظ الذُرِّية. و " سميع " بمعنى: سامع أو مجيب.

قوله تعالى: { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } قرأ حمزة والكسائي: " فناداه " ، بألف ممالة. وقرأ الباقون: فنادته.

قال أبو علي: من قرأ " فناداه " ، فهو كقوله:وَقَالَ نِسْوَةٌ } [يوسف: 30].

وقال غيره: الذي ناداه: جبريل، وكذلك هو في قراءة ابن مسعود: " فناداه جبريل " ، فيكون الجمع على قراءتهما للتعظيم، أو لبيان أن النداء جاء من ذلك الجنس، كما تقول: ركبت السفن.

وسُمِّيَ المحراب محراباً؛ لشرفه، كما ذكرنا، أو لمحاربة الشيطان فيه.

{ أَنَّ اللَّهَ } قرأ ابن عامر وحمزة: " إن الله " بكسر الهمزة على إضمار القول، أو لأن النداء في معنى القول. وقرأ الباقون بالفتح، على معنى: نادته بأن الله. فلما حذف الحرف الجار وصل الفعل فنصب.

قرأ حمزة: " يَبْشُرُكَ " بالتخفيف في كل القرآن، إلا في قوله:فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } [الحجر: 54].

ووافقه الكسائي على التخفيف في خمسة مواضع: في آل عمران موضعان، وفي " سُبْحَانَ " موضع، وفي الكهف موضع، وفي الشورى موضع، وشدَّد ذلك الباقون، غير أن ابن كثير وأبا عمرو خففا التي في الشورى، وهما لغتان مشهورتان. يقال: بَشَّر يُبشِّرُ تَبشيراً، وبَشَر يَبْشُرُ بَشْراً وبُشُوراً.

وأنشد الفرَّاء للأعشى:
وَإِذا رَأَيْتَ البَاهِشِينَ إِلى النَّدَى   غُبْراً أَكُفُّهُمُ بقَاعٍ مُمْحِلِ
فَأَعِنْهُمْ وابْشِرْ بما بَشِرُوا بهِ   وَإِذا هُمُ نَزَلُوا بضَنْكٍ فَانْزِلِ
وقد ذكرنا معنى البشارة في البقرة.

قال المفسرون: رأى زكريا جبريل في صورة شاب عليه ثياب بياض، فناداه: { أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ }.

وهو اسم أعجمي، وقيل: عربي، ومنعه الصرف: التعريف وصيغة الفعل.

قال ابن عباس: أحيا الله قلبه بالإيمان.

وقال في رواية: أحيا به عقر أمه.

{ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي: مؤمناً بعيسى، فإنه أوّل مَن آمن به، وكان يحيى أكبر من عيسى بستة أشهر.

وقيل: قبل رفع عيسى إلى السماء.

وسُمِّي عيسى " كلمة "؛ لتكوينه بها من غير أب.

السابقالتالي
2 3