الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قوله تعالى: { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } القَبُول: مصدر، والقياس فيه: الضم؛ كالدُّخول والخروج.

قال سيبويه: خمس مصادر جاءت على فَعُول منها: قَبُول.

والمعنى: رضيها ربّها بدل الذي نذرته.

قال ابن عباس: سلك بها طريق السعداء.

{ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً } القَبول والنَّبَات مصدران يخالفان المصدر هاهنا.

قال الفرَّاء: هو مثل قولك: تكلمت كلاماً.

قال القَطَامِي:
وخيرُ الأمر ما استقبلتَ منه    وليس بأن تَتَبَّعَهُ اتِّباعَا
وقال آخر:
......................    وإن شئتم تَعاودنا عوادا
لم يقل: تتبعاً ولا تعاوداً.

وقال ابن الأنباري والمفضل: التقدير: وأنبتها فنبتت نباتاً [حسناً].

قال ابن عباس: كانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام، فيكون إشارة إلى كمال نشوئها.

وقال قتادة: حُدِّثنا أنها كانت لا تصيب الذنوب، فيكون استعارة عن طهارتها من دنس الآثام.

وقيل: هو استعارة عن حُسْن التربية.

قوله: { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } قرأ أهل الكوفة: " كفلها " بالتشديد، " زكريا " بالقصر، حيث جاء، إلا أبا بكر عن عاصم، فإنه يمد " زكريا " حيث جاء كالباقين.

قال ابن دريد: هو اسم أعجمي.

الإشارة إلى القصة

قال العلماء بالتفسير والسِّيَر: لما وضعت حنّة مريم لفّتها في خرقة وحملتها إلى البيت المُقَدَّس، وفاءً بنذرها، فوضعتها عند الأحبار، أبناء هارون، وهم يومئذ يلونه كما تلي الحَجَبة الكعبة، فقالت: دونكم بهذه النذيرة، فتنافسوا فيها، لأنها بنتُ إمامهم، وصاحب قربانهم، فقال زكريا: أنا أحق بها، وعندي خالتُها، فامتنعوا إلا أن يقترعوا، فساروا إلى نهر الأردن، وكانوا سبعة وعشرين رجلاً.

قال ابن عباس: قالوا: نطرح أقلامنا، فمن صعد قلمه مغالباً لجرية الماء فهو أحق بها.

وقال السدي: ألقوا أقلامهم التي يكتبون بها، فَجَرَت الأقلام كلها، وثبت قلم زكريا.

قال الحسن: لم ترتضع ثدياً قط.

وذكر مقاتل: أنه استأجر لها ظِئْراً.

قوله: { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً } " كلما " منصوب على الظرف، أي: وجد كلما دخل.

وقال الزجاج: المحراب في اللغة: الموضع العالي الشريف.

قال الشاعر وضّاح اليمن:
رَبَّةُ مِحْرَابٍ إذا جِئْتُهَا   لَمْ أَلْقَهَا أَوْ أَرْتَقِي سُلَّما
وقال أبو [عبيدة]: المحراب سيد المجالس، ومقدمها وأشرفها، وكذلك هو من المسجد.

وقال غيره: يقال للمسجد محراب، ومنه:يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ } [سبأ:13]، أي: مساجد.

وأظنُّ الشاعرَ أراد ذلك في قوله:
جَمَعَ الشجاعةَ والخشوع لربه    ما أحسن المحراب في المحراب
قال ابن إسحاق: ضمّها إلى خالتها أم يحيى، حتى إذا شبّت وبلغت مبلغ النساء بنى لها محراباً في المسجد، لا يصعد إليها غيره، فكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كل يوم.

قال ابن عباس: كانت تصلي في غرفتها الليل والنهار.

وقال مقاتل: كانت مريم إذا حاضت أخرجها إلى منزله تكون مع خالتها أم يحيى، فإذا طهرت ردها إلى بيت المقدس.

السابقالتالي
2