الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ }

فعلى هذا " إذ " في قوله: { إذ قالت امرأة عمران } منصوب به. وقيل: بإضمار اذكر.

وقال الزجاج: العامل في " إذ " معنى الاصطفاء، فيكون المعنى: " اصطفى آل عمران إذ قالت امرأة عمران ".

وقال أبو عبيدة وابن قتيبة: " إذ " ملغاة.

وامرأةُ عمران اسمها: حنّة، وهي أم مريم بنت عمران بن ماثان، وكان بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم، وملوكَهم.

قال ابن إسحاق وغيره: كانت رأت طائراً يَزُقُّ فَرْخَهُ بعد أن أَسَنَّت ويئست من الولد، فهيَّجها على التحنن على الولد، فَدَعَتْ ربها أن يهب لها ولداً، فأجيبت، فقالت شكراً لله: { رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً } أي: خالصاً، عتيقاً من رق الدنيا، حبيساً على العبادة، وسدانة البيت المُقَدَّس.

قال القاضي أبو يعلى ابن الفرّاء رحمه الله: وهذا نذرٌ صحيح في شريعتنا أيضاً، فإنه إذا نذر الإنسانُ أن يُنَشِّئَ ولده الصغير على عبادة الله، وطاعته، وأن يعلِّمه القرآن والفقه وعلوم الدين؛ صح النذر.

و " محرراً " حال من " ما ". والتَّقبُّل: الأخذ بالرضى.

{ إنك أنت السميع } لدعائي { العليم } بنِيَّتي.

{ فلما وضعتها } الضمير يرجع إلى قوله: لـ { ما في بطني } ، وإنما أُنِّث حملاً على المعنى، لأن ما في بطنها كانت أنثى في علم الله، أو على تأويل الحَبْلَة، أو النفس، أو النَسَمة؛ { قالت رب إني وضعتها } أي وضعت النَسَمة { أنثى } ، وهو كلام يلوح منه أسفها على خيبة رجائها، فإنها رَجَتْهُ ذَكَراً، ولذلك حرَّرته للعبادة والسدانة.

وفي قوله: { والله أعلم بما وضعت } تعريضٌ بتعظيم مريم، وتجهيل لـ " حنّة " بما استودع في تلك الأنثى من السر الإلَهي، ونيط بها من الآية العظيمة.

وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم: " بما وضعْتُ " بسكون العين وضم التاء، فيكون من تمام كلامها.

وفي قراءة ابن عباس: " وضعْتِ " بسكون العين وكسر التاء، فيكون من مخاطبة الله لها، على معنى: إنك لا تعلمين قدر هذا المولود.

{ وليس الذكر كالأنثى } جائزٌ أن يكون من تمام كلامها أيضاً، خارجاً مخرج الاعتذار من مصادفة تحريرها أنثى، والأنوثية مانعة من استقصاء الوفاء بما نَذَرَتْهُ، والقيام بما نَوَتْهُ.

وجائز أن يكون من تتمة التعريض بتعظيم مريم، فتكون اللام للعهد، التقدير: وليس الذكر الذي أردتِ كالانثى التي ولدتِ.

{ وإني سَمَّيْتُها } عطف على " وَضَعْتُها ". و { مريم } بلغتهم: العابدة، فسمّتها بذلك تفاؤلاً بمطابقة الفعل للاسم، ألا تراها تقول: { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم }.

قال أبو هريرة: سمعت رسول الله يقول: " ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان حين يولد فَيَسْتَهِلُّ صارخاً من نَخْسَةِ الشيطان إلا ابن مريم وأمه، ثم قال أبو هريرة: اقرؤا إن شئتم: { وإني أُعيذها بك وذُرِّيتها من الشيطان الرجيم } ".


السابقالتالي
2