الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قوله تعالى: { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } السبب في نزولها: ما روي عن ابن عباس وأنس بن مالك، قالا: لما فتح رسول الله مكة وعد أمته فارس والروم، فقال اليهود والمنافقون: هيهات هيهات، فنزلت هذه الآية ".

وقال السُّدِّي: قالت اليهود: لا نطيع رجلاً رَامَ نقل النبوة من بني إسرائيل، فنزلت

وكسرت اللام من " قُلِ " لالتقاء الساكنين. " اللَّهم " بمعنى: يا الله، والضمة التي في الهاء: ضمة المنادى المفرد، والميم المشددة عوض من " يا " ، فلذلك لا يجتمعان. وقوله: " يا اللهم " شاذ، وهذا قول الخليل، وسيبويه.

وقال الفرّاء: المعنى: يا الله أُمَّ بخير، فألقيت الهمزة، وطرحت حركتها على ما قبلها.

ويلزم على قول الفرّاء جواز دخول " يا " عليها، وليس بمختار في الكلام.

{ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } أي: بيده زمامه، { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } محمداً، وأمته، { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } فارس والروم، وكذلك { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ }.

وقيل: تُعِزُّ مَن تشاء بالطاعة، وتُذِلُّ مَن تشاء بالمعصية.

وقيل: تُعِزُّ مَن تشاء بالقناعة، وتُذِلُّ من تشاء بالحرص.

{ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ } قال ابن عباس: النصر والغنيمة.

وقيل: المعنى: بيدك الخير والشر، فاكتفى بذكر المرغوب فيه.

{ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من ذلك وغيره { قَدِيرٌ }.

{ تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ } قال ابن عباس: ما ينقص من أحدهما يَزيد في الآخر.

قال السدي: حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة والنهار تسع ساعات، وكذلك النهار يزيد والليل ينقص.

{ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } قرأ نافع وأهل الكوفة إلا أبا بكر: " الميت " بالتشديد وخففه الباقون، وتفرّد نافع بالتشديد في ثلاثة مواضع:أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً } [الأنعام: 122]، وٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ } [يس: 33]، ولَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً } [الحجرات: 12]، وكلهم شدد ما لم يَمُتْ، نحو:إِنَّكَ مَيِّتٌ } [الزمر: 30]، وخفف ما هو [ميت] لما فيه هاء التأنيث، نحو:بَلْدَةً مَّيْتاً } [الزخرف: 11]، والقراءتان لغتان فاشيتان، قال الشاعر:
لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بمَيْتٍ   إِنَّما المَيْتُ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ
فجمع بين اللغتين، والأصل التشديد، والتخفيف فرع عليه، لثقل التشديد والكسر على الياء. وأصله عند البصريين " مَيْوِت " على فَيْعِل، ثم قلبت الواو ياء، وأدغمت فيها الياء التي قبلها، والمحذوف في قراءة من خفَّف هو الواو التي قلبت ياء، وهي عين الفعل، كما قالوا: هائر وهارٍ، وسائر وسارٍ، فغيّروا العين، وحذفوها بعد القلب.

والمعنى: يُخرج الحيوانَ من النطفة، والنطفة من الحيوان، وكذلك يخرج الفرخ من البيضة، والبيضة من الطائر.

وقيل: يخرج الحي، وهو المؤمن، من الميت وهو الكافر، ويخرج الميت من الحي، وهو الكافر من المؤمن.

والقولان عن ابن عباس. والأول قول الجمهور، والثاني قول الحسن.

وفي الحديث: " أن رسول الله دخل على بعض نسائه، فرأى عندها امرأة حسنة الهيئة، فقال: من هذه؟ قالت: إحدى خالاتك. فقال: أي خالاتي؟ قالت: خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث. فقال رسول الله: سبحان الذي يُخْرِج الحي من الميت! وكانت امرأة صالحة، وكان أبوها مات كافراً ".

وقال الزجاج: المعنى: يُخْرِجُ النبات الغضَّ من الحب اليابس، والحب اليابس من النبات الحي النَّامِي.

وما بعده مفسّر في البقرة.