الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قوله: { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ } يعني: القرآن { وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ } يعني: كتابهم، يعني بهم الذين آمنوا بالنبي؛ كعبد الله بن سلام من اليهود، والنجاشي من النصارى.

قال جابر بن عبد الله: لما مات النجاشي صلى النبي عليه، فقال قائل: يصلي على هذا العلج النصراني، وهو في أرضه، فنزلت هذه الآية.

قوله: { خَٰشِعِينَ للَّهِ } حال من فاعل " يؤمن ".

{ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } كما فعل مَن لم يؤمن منهم من الأحبار والكبراء.

قوله: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ } قال ابن عباس: اصبروا على البلاء والجهاد.

وقيل: اصبروا على دينكم وطاعة ربكم.

{ وَصَابِرُواْ } عدوكم، { وَرَابِطُواْ } في سبيل الله، وهو لزوم الثغر للجهاد، وأصله من ارتباط الخيل.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم، وأبو الحسن البغداديان، قالا: أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا الداودي، أخبرنا السرخسي، أخبرنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا عبد الله بن منير، سمع أبا النضر، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن رسول الله قال: " رِبَاطُ يَوْمٍ في سَبيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيها، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيها، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ في سَبيلِ اللهِ أَوْ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيها ".

وأخرج مسلم منه ذكر الغدوة والروحة فقط.

وفي أفراد مسلم من حديث سلمان، قال: سمعت رسول الله يقول: " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفَتَّان ".

وهذا الذي أشرتُ إليه ودللتُ عليه، قول ابن عباس، والحسن، وجمهور العلماء، وهو المتبادر إلى الأفهام.

وقد أخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أنه قال -في هذه الآية-: " لم يكن في زمان النبي غزو يُرابَط فيه، ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة ".

ويوضح هذا ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: " أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو الله بهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ ".

آخرها، والحمد لله.