قوله: { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } كان اليهود يضربون في الأرض، ويكتسبون الأموال، والمشركون في خَفْضٍ وَدَعَة، والمسلمون في جهد شديد، فقال قائل من المؤمنين: أعداء الله فيما نرى من الخير، ونحن في الجهد، فأنزل الله هذه الآية. والمعنى: لا يَغُرَّنك أيها القائل، أو السامع. أو هو خطاب للنبي، والمراد: أتباعه؛ لأن خطاب مقدم القوم، ولسانهم بشيء يقوم مقام خطابهم جميعاً. فكأنه قيل: لا يَغُرَّنكم، وهو بمعنى التثبيت له، والتأديب لغيره. وهذا في النهي نظير قوله في الأمر:{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة: 6]. { تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } أي: ضربهم فيها، وتقلبهم في نعم الله. { مَتَاعٌ قَلِيلٌ } أي: تقلبهم متاع قليل، ثم ينقطع، { ثُمَّ } من بعد ذلك، { مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }. قوله تعالى: { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } وقرأت على شيخنا أبي البقاء اللغوي وأبي عمرو الياسري لأبي جعفر يزيد بن القعقاع: " لكنَّ " ، بالتشديد هنا، وفي الزمر. قال مقاتل: " اتقوا " بمعنى: وحَّدُوا ربهم. { نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } وهو ما يُهَيَّأ للنَّزيل، وهو الضَّيْف. وانتصابه على المصدر، تقديره: أنزلوها نزلاً، أو على الحال من " جنات " لتخصيصها بالوصف، والعامل اللام. وقال الفراء: على التفسير؛ كما تقول: هو لك صدقة، هو لك هَديَّة. { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما من بَرٍّ ولا فاجرٍ إلا والموت خير له، ثم تلا:{ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً } [آل عمران: 178]، وتلا: { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ }. ومعنى الآية: وما عند الله من ثواب المتقين الأبرار خير لهم من متاع الكفار في هذه الدار.