الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } * { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله عز وجل: { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } قال الحسن: هذا ميثاق الله على علماء أهل الكتاب أن يبينوا للناس ما في كتابهم، وفيه ذكر رسول الله.

{ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر بالياء فيهما. وقرأ الباقون بالتاء فيهما، فمَن قرأ بالياء حمله على لفظ الغيبة في أول الآية وآخرها، ومَن قرأها بالتاء فعلى الرجوع من المغايبة إلى المخاطبة؛ كما في قوله تعالى:وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم } [آل عمران: 81] أو على الحكاية، والضمير فيها يعود إلى الكتاب، وقيل: إلى محمد.

والأول أظهر، وأصح.

وباقي الآية سبق تفسيره في البقرة.

والضمير في " فَنَبَذُوهُ " يعود إلى " الميثاق " ، أو " الكتاب " ، وفي هذه الآية دليل ظاهر على وجوب تبليغ العلم.

قال علي رضي الله عنه: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يُعلِّموا.

قوله عز وجل: { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } وقرأ أهل الكوفة " لا تحسبن " بالتاء، على الخطاب للنبي، وإعرابه على نحو ما تقدَّم في نظائره.

وقد اختلف العلماء في سبب نزولها على أقوال:

أحدها: ما أخبرنا به الشيخان أبو القاسم، وأبو الحسن البغداديان، قالا: أخبرنا عبد الأول، أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر، حدثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري: " أَنَّ رِجَالاً مِنَ المُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ [كَانُوا] إِذا خَرَجَ رَسُولُ الله إِلَى الغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَفَرِحُوا بمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ الله، فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ الله اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ، وَحَلَفُوا، وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بمَا لَمْ يَفْعَلُوا، فَنَزَلَتْ: { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ... } الآية ".

القول الثاني: وبالإسناد قال محمد بن إسماعيل البخاري: حدثني إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، أن ابن جريج أخبرهم، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، أن علقمة بن وقاص أخبره، " أن مروان قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ مِنَّا فَرِحَ بمَا [أُوتي] وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّباً، لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ومَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ، إِنَّمَا دَعَا النَّبي يَهُودَ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ، وَأَخْبَرُوهُ بغَيْرِهِ، فَأَرَوْهُ أَنْ قَدْ اسْتَحْمِدُوا إِلَيْهِ بمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ فِيمَا سَأَلَهُمْ، وَفَرِحُوا بمَا أتوا مِنْ كِتْمَانِهِمْ، ثمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاس: { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } كَذلِكَ حَتَّى قَوْلِهِ: { يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ * وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } ".

السابقالتالي
2