الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } * { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

قوله عز وجل: { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } قال ابن عباس ومجاهد وجمهور المفسِّرين: السبب في نزول هذه الآية: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل بيت مدراس اليهود، فوجدهم قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له: " فنحاص " ، فقال له أبو بكر: اتق الله، وأسلم، فواللهِ إنك لتعلم أن محمداً رسول الله، فقال: يا أبا بكر؛ والله ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، ولو كان غنياً عنا ما استقرضنا، فغضب أبو بكر وضرب وجه فنحاص ضربة، وقال: والله لولا العهد الذي بيننا لضربتُ عنقك، فذهب فنحاص يشكو إلى النبي، وأخبره أبو بكر بما قال، فجحد فنحاص، فنزلت هذه الآية.

ونزل فيما بلغ من أبي بكر من الغضب: { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم... الآية }.

ومقصودُ الخبيث في هذا الكلام: الاستهزاء والتهكم، حيث سمع قول الله:مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [البقرة: 245].

{ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ } أي: سنأمر الحفظة بكتابته في صحائف أعمالهم وأقوالهم، { وَقَتْلَهُمُ } أي: نكتب قتلهم { ٱلأَنبِيَاءَ }.

وفي قوله: { سَنَكْتُبُ } وعيد شديد، وتهديد عظيم، ولا سيما وقد قرنه بقتلهم الأنبياء تنبيهاً على عظيم افترائهم، وشدة اجترائهم { وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } يعني ذوقوا عذاب النار، كما أذقتم أنبيائي وأوليائي الغصص.

تقول العرب لمن انتقم منه: ذق أخس، ومنه قول أبي سفيان لحمزة رضي الله عنه -وقد وقف عليه صريعاً-: ذق عُقَقْ.

وقرأ حمزة: " سَيُكْتَبُ " ، على ما لم يُسَمَّ فاعله، " وقتلُهم " بالرفع، " ويقول " بالياء.

قوله: { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما تقدم من ذكر عقابهم، { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } من الكفر، والعناد، والاجتراء على قتل الأنبياء والأولياء، { وَأَنَّ ٱللَّهَ } أي: وبأن الله { لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ }.

فإن قيل: ما وجه ارتباط هذا المعطوف، وهو قوله: { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } بالمعطوف عليه، وهو ما قدَّمت أيديهم من المعاصي، ووجه التشريك بينهما في استحقاق العذاب؟

قلت: نفي الظلم عن الله إثبات لوصفه بالعدل.

فالمعنى: ذلك العذاب سببه أمران:

أحدهما: ما قدمت أيديكم من المعاصي التي بعضها قتل الأنبياء.

والثاني: عدل الله في خلقه، والعادل لا بد وأن يأخذ للمظلوم من الظالم، فصار معنى الكلام: ذلك العذاب بما قدمت أيديكم من قتل الأنبياء وغيره وبأن الله عادل يقتصّ منكم.

قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا... الآية } نزلت في كعب بن الأشرف، ومالك بن الصيف، وحُيي بن أخطب، في جماعة من اليهود، أتوا رسول الله، فقالوا: إن الله عهد إلينا، يعنون في التوراة: { أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ } أي: لا نصدقه، { حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ } يتقرب به إلى الله، من ذبح أو غيره، { تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ } ، وكان هذا من سنن المرسلين خلا عيسى بن مريم عليه السلام.

السابقالتالي
2 3 4