الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } * { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

قوله: { أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } هذه واو العطف إما على قصة أُحُد، وإما على محذوف، تقديره: أفعلتم كذا؟ وقلتم حينئذ كذا؟ دخلت عليها همزة الاستفهام، وهو بمعنى التوبيخ والتقريع، و " لَمَّا " في موضع نصب بـ " قُلْتُمْ " ، " أَصَابَتْكُمْ " في موضع جر، على معنى: قلتم وقت إصابتكم، والمصيبة: قتلُهم يوم أُحُد، { قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا } يوم بدرٍ قتلاً وأسراً.

{ قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا } أي: كيف أصابنا هذا، ونحن مسلمون موعودون بالنصر والغلبة؟

{ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } لأنكم خالفتم أمر رسولي، وفارقتكم المركز ميلاً إلى الغنيمة، وذهاباً مع الطمع. هذا معنى قول ابن عباس ومقاتل.

وقيل: " هو من عند أنفسكم " حيث أكثرتم على رسول الله وأشرتم عليه بالخروج من المدينة، وعكستم رأيه وخالفتم أغراضه التي يُجريها على وفق الحكمة والمصلحة. وهذا معنى قول قتادة.

وقد روي عن علي رضي الله عنه قال: " جاء جبريل إلى النبي يوم بدر، فقال: إن الله تعالى قد كره ما صنع قومك من أخذهم الفداء، وقد أمرك أن تخيرهم بين أن يضربوا أعناق الأسارى وبين أن يأخذوا الفداء، على أن يُقتل منهم عِدَّتَهُم. فذكر ذلك للناس، فقالوا: عشائرنا وإخواننا، نأخذ منهم الفداء ويُستشهد منا عدتهم. فقُتِل منهم يوم أُحُد سبعون، عدد أسارى بدر ".

فعلى هذا يكون المعنى: " قل هو من عند أنفسكم " بأخذكم الفداء، واختياركم حين خُيِّرتم يوم بدر القتل.

{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فهو يقدر على نصركم، وإدالتكم من عدوكم.

قوله: { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } النبي وأصحابه، وأبو سفيان وأصحابه.

{ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } بقضائه وقدره، { وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.

{ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } معناه: ليميز بينهم، فيُظهر إيمان المؤمنين، وحُسن نِيَّاتهم، بصبرهم وثباتهم، ويظهر نفاق المنافقين، بفشلهم وقلة صبرهم.

قال ابن عباس: يُريد بالذين نافقوا: عبد الله بن أُبَيّ وأصحابه الذين انصرفوا عن رسول الله يوم أُحُد، فلحقهم عبد الله بن عمرو بن حرام، فقال لهم: أُذكِّركمُ الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم، ودعاهم إلى القتال في سبيل الله، فذلك قوله: { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ } ، أي: ذُبُّوا عن حُرَمِكُم، وحسبكم، ونسبكم، أو كَثِّروا السواد إن لم يكن لكم نية في الجهاد { قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ } كلامٌ يلوح منه اللوم على ترك القوم ما اقتضاه رأي عبد الله بن أُبَيّ من الاعتصام بحدود المدينة.

المعنى: لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالاً لاتبعناكم، وإنما أنتم على شفا من استئصال شأفتكم، فعلام نجعل أنفسنا فرائس الفوارس، وأغراض الحُتُوف، وجزر السيوف.

وهذا هو التأويل الذي يشهد العلم بصحته، لا ما ذكره الماوردي من أن المعنى: لو كنا نحسن القتال لاتبعناكم، ولا ما ذكره ابن إسحاق أن المعنى: لو نعلم قتالاً يجري اليوم لقاتلنا معكم، وهذا الذي ذكره الواحدي، وجمهور المفسِّرين.

السابقالتالي
2