قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال علي رضي الله عنه: هم المنافقون الذين قالوا - حين صرخ الشيطان قُتِل محمد-: ارجعوا إلى دينكم الأول. وقال ابن عباس: هم اليهود. وذاك أنهم كانوا يرومون إدخال الشبهة على المؤمنين ليفتنوهم، فلما كان يوم أُحُد قالوا: لو كان نبياً ما غلب. وقيل: هو عامّ في جميع الكفار. { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ }: وليكم وناصركم. وقرئ: " بل اللهَ " بالنصب، على معنى: بل أطيعوا الله مولاكم. قوله: { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } قال السدي: لما ارتحل المشركون نحو مكة ندموا في بعض الطريق، وقالوا: قتلنا أصحاب محمد حتى إذا لم يبق منهم إلا شرذمة تركناهم، فهمُّوا بالرجوع ليستأصلوهم، فقذف الله في قلوبهم الرعب، ونزلت هذه الآية. وقيل: كان ذلك يوم أُحُد، فإنهم انهزموا راجعين إلى مكة، ولهم القوة والغلبة. والرعب -بإسكان العين وبضمها- لغتان. وبضمها قرأ ابن عامر والكسائي حيث جاء، وهو الخوف الذي يملأ القلب، من قولهم: رَعَبْتُ القربة، أي: ملأتها. و " ما " في قوله: { بِمَآ أَشْرَكُواْ } مصدرية، المعنى: بإشراكهم { بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } حُجَّة ظاهرة. لأن النِّد والشَّريك لا حُجَّة على صحته فتنزل. { وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ } مكانهم الذي يأوون إليه النار. ثم ذمَّه فقال: { وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ }. قوله: { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } قال قوم من المسلمين: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر، فنزلت هذه الآية. والوعد بالنصر في قوله عليه الصلاة والسلام: " لا نزال غالبين ما ثبتُّم مكانكم " ، أو في قوله: { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } ، أو في قوله:{ بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ... الآية } [آل عمران: 125]، إن قلنا هو يوم أُحُد. { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } أي: تقتلونهم قتلاً ذريعاً. يقال: سَنَةٌ حَسُوسٌ؛ إذا أَتَتْ على كل شيء، وجَرَادٌ مَحْسُوسٌ؛ إذا قَتَلَهُ البَرْد. وكان ذلك حين كان الرماة يرشقونهم بالنبل، وباقي المسلمين يضربونهم بالسيوف. { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } أي: جبنتم وضعف رأيكم، { وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ } وهو تجاذب الرماة فيما بينهم، بين قائل: لا نفارق المركز، وقائل: ما يمنعنا من الغنيمة، { وَعَصَيْتُمْ } خالفتم الرسول في قوله: " لو رأيتم الطير تخطفنا لا تُفارقوا مكانكم ". وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: حتى إذا تنازعتم وعصيتم فشلتم. { مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } وهو النصر والغنيمة. وجواب " حتى إذا " محذوف تقديره: حتى إذا فشلتم وتنازعتم وعصيتم منعتكم ما تحبون. ويجوز أن يكون متعلقاً بما قبله، التقدير: ولقد صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم. { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } وهم الذين فارقوا المركز، { وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } كعبد الله بن جبير وأصحابه الذين ثبتوا معه.