الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي ٱلشَّٰكِرِينَ } * { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله: { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } السُّنَن: جمع سُنَّة، وهي الطريقة. والمعنى: مضى قبلكم أهل سنن وشرائع.

{ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } بأجسادكم. وقال الزجّاج: إذا سرتم في أسفاركم عرفتم أخبار الهالكين بتكذيبهم.

وقيل: المعنى: فسيروا في الأرض ببصائركم، { فَٱنْظُرُواْ } بعين التفكر والاعتبار { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ }.

قوله تعالى: { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ }: " هذا " إشارة إلى القرآن. وقيل: إلى أخبار الأمم السالفة.

قال ابن عبد ربه: كُلُّ شيء كَشَف لك قناعَ المعنى الخفي، حتى ينادي إلى الفهم، ويتقبله العقل، ذلك البيان الذي ذكره الله في كتابه ومَنَّ به على عباده.

وقال سهل بن هارون: البيان ترجمان العلم.

وقال بعضهم: ليس لمنقوص اللسان بهاء ولو حَكَّ بيافوخه عَنَانَ السماء.

{ وَهُدًى } يعني: من الضلالة، { وَمَوْعِظَةٌ } من الجهالة.

قوله: { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا } نزلت تسلية للنبي وأصحابه بما أصابهم يوم أُحُد، وتقوية لقلوبهم.

والمعنى: لا تضعفوا عن قتال الأعداء، ولا تحزنوا على من أصيب من الشهداء، وكان قد قُتِل يومئذ حمزة عم النبي ومصعب بن عمير في خمسة من المهاجرين، وسبعين من الأنصار رضي الله عنهم، وجُرِح سبعون من أصحاب رسول الله.

قال أنس: وأُتي رسول الله بعليّ وبه نيف وستون جراحة، من طعنة وضربة ورمية، فجعل رسول الله يمسحها، وهي تلتئم بإذن الله، كأن لم تكن.

قال ابن عباس: لما انهزموا يوم أُحُد أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل، فقال رسول الله: " اللَّهم لا يَعْلُنّ علينا، اللَّهم لا قوة لنا إلا بك " ، فنزلت هذه الآية.

{ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ } أي: وحالكم أنكم أعلا منهم، وآخر الأمر لكم.

وقيل: وأنتم الأعلون في الآخرة؛ لأن قتالكم في الرحمن، وقتالهم في الشيطان.

{ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } متعلق بالنهي، المعنى: إن كنتم مصدِّقين بما وعدكم الله من الاستعلاء على الأعداء فلا تهنوا ولا تحزنوا.

قوله: { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ } وقرأ أهل الكوفة -إلا حفصاً- بضم القاف، لغتان بمعنى واحد.

وقال أبو عبيد: القَرْح: بالفتح: الجراح، وبالضم: ألم الجراح، والمعنى: إن يصبكم يوم أُحُد قرح، { فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ } يعني: المشركين { قَرْحٌ مِّثْلُهُ } يوم بدر، وقيل: " قد مس القوم قرح مثله " يوم أُحُد، فإنه قتل منهم خلق كثير.

قال ابن عباس: ما نُصر رسول الله ما نُصِر يوم أُحُد، فأنكر ذلك عليه، فقال: بيني وبينكم كتاب الله، إن الله يقول:وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } [آل عمران: 152].

قوله: { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ } مبتدأ وخبره، أو " تلك " مبتدأ، و " الأيام " صفة، " نداولها " خبره.

والمراد بالأيام: أوقات الظفر والغلبة.

{ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } فنجعل الدولة للمسلمين تارة، وللمشركين أخرى { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي: وليعلمهم علماً يتعلق به الجزاء، وهو معطوف على محذوف، تقديره: ليتميز الثابتون على الإيمان من غيرهم { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ } قوماً يكرمهم بالشهادة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8