الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } * { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ } * { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله: { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ } وذلك يوم بدر، على الصحيح.

وقال الضحاك ومقاتل: يوم أُحُد.

فعلى الأول: " إذ " ظرف لـ " نَصَرَكُم " ، وعلى الثاني: هو بدل ثاني من " إِذْ غَدَوْتَ ".

فإن قيل: القصة -على هذا القول الصحيح- واحدة، فكيف قال هاهنا: { بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ } ، { بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ }؟ وقال في الأنفال في قصة بدر أيضاً:إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ } [الأنفال: 9]؟.

قلت: قال قتادة: أمدّهم الله بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف.

فإن قيل: كيف ساغ لهذين العالمين أن يقولا: كان ذلك يوم أُحُد، والآية قد صرحت بإمداد الملائكة، وكان ذلك يوم بدر، بغير خلاف، ثم إنهم يوم أُحُد قد كُسِروا وانهزموا، فكيف يكون ذلك مع وجود الملائكة ونزولهم لنصرتهم؟

قلت: نزول الملائكة -على هذا القول- كان مشروطاً بالصبر والتقوى، قال الله تعالى: { إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ }... { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ } فانتفى لانتفائهما.

قوله: { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ } إنكار أن لا يكفيهم الإمداد بثلاثة آلاف. والإمداد: إعطاء الشيء بعد الشيء.

فإن قيل: هل تضمَّن قوله: { مُنزَلِينَ } معنى مطلوباً للمبشَّرين بذلك؟

قلت: نعم، فإن المقصود من بشارتهم بإمدادهم بالملائكة إظهارُ شرفهم وتطييبُ قلوبهم، ليثقوا بنصر الله لهم، وليزدادوا جرأة على أعدائهم، فإذا علموا أنهم ليسوا من ملائكة الأرض، وأنهم من ملائكة السماء المكرمين، المخصوصين بزيادة القُرب من الله، ازدادوا شرفاً، وطمأنينة في أنفسهم، وإقداماً على المشركين.

فإن قيل: فما وجه قراءة ابن عامر " مُنَزَّلين " بالتشديد؟

قلت: لأنهم نزلوا من مقام إلى مقام، حتى انتهوا إلى الأرض.

فإن قيل: فما وجه قراءة من قرأ " مُنْزِلِين " بكسر الزاي؟.

قلت: وجهه أنهم أَنْزَلُوا النصر، وجاؤوا به.

قوله: { بَلَىۤ } إيجاب لما بعد " لن ". المعنى: بل يكفيكم الإمداد، فأوجب الكفاية بهم، ثم قال: { إِن تَصْبِرُواْ } يعني عند لقاء الأعداء، وتتقوا مخالفة الرسول، { وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا } يعني المشركين. والفور: مصدر فار يفور فوراً، وأصله غليان القِدْر، ويقال للغضبان: فَارَ فَائرُهُ؛ إذا اشتدّ.

ثم استعير للسرعة، وعدم التعريج على شيء، ويقال: قَفَلَ فلان من فَوْره؛ إذا رجع من سفره لا يلوي على شيء يصدُّه عن الرجوع.

قال ابن عباس: " ويأتوكم من فورهم ": من وجههم هذا، أي: يأتوكم مسرعين من وجههم وسفرهم.

وقال مجاهد: " من فورهم ": أي: من غضبهم.

وكانوا غضبوا لِمَا أصابهم يوم بدر.

وقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو: " مُسَوِّمِين " بكسر الواو، وفتحها الباقون.

فمن كَسَرَ فعلى معنى: أنهم قد سوَّموا أنفسهم، أو خيلهم، ويؤيده الحديث، وهو قوله يوم بدر: " سَوِّموا فإن الملائكة قد سَوَّمت " ، فنسب الفعل إليها.

السابقالتالي
2 3 4