الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله تعالى: { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ } أي: واذكر إذ أصبحت ذاهباً من بيت عائشة، وذلك يوم أحد.

وقال مجاهد ومقاتل: يوم الأحزاب.

وروي عن الحسن: أنه يوم بدر.

والأول أصح، لقوله: { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ } وكان ذلك يوم أُحُد.

{ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي: تنزلهم، والمباءة: المنزل، { مَقَاعِدَ } أي: مراكز ومواطن { لِلْقِتَالِ } قال مجاهد والكلبي والواقدي: " غدا رسول الله من منزل عائشة رضي الله عنها يمشي على رجليه إلى أُحُد، فجعل يصفُّ أصحابه للقتال، كأنما يُقَوِّم بهم القداح، إن رأى صدراً خارجاً قال: " تأخَّر ".

وذلك أن المشركين نزلوا بأُحُد - على ما ذكره السدي ومحمد بن إسحاق- يوم الأربعاء، فلما سمع رسول الله بنزولهم استشار أصحابه، ودعا عبد الله بن أُبَيّ بن سلول - ولم يدعه قط -، فاستشاره، فقال عبد الله بن أُبَيّ وأكثر الأنصار: أقم يا رسول الله بالمدينة، لا تخرج إليهم، فواللهِ ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فكيف وأنت فينا؟! فَدَعْهُمْ يا رسول الله، فإن أقاموا أقاموا بشَرِّ مجلس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤوا، فَأَعْجَبَ رسول الله هذا الرأي.

وقال بعض أصحابه: يا رسول الله؛ اُخرج بنا إلى هذه الأكلب، لا يرون أنّا جَبُنَّا عنهم، وضعفنا. وأتاه النعمان بن مالك الأنصاري فقال: يا رسول الله؛ لا تحرمني الجنة، فوالذي بعثك بالحق لأدخلن الجنة، فقال له: " بمَ "؟ قال: بأني أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأني لا أفرّ من الزحف، قال: " صدقتَ " ، فقُتِل يومئذ، فقال رسول الله: " إني رأيت في منامي بقراً، فأوَّلتُها خيراً، ورأيت في ذُبَابَ سيفي ثَلْماً، فأوَّلتها هزيمة، ورأيتُ أني أدخلتُ يدي في درع حصينة، فأوَّلتها المدينة، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتَدَعوهم، فإن أقاموا أقاموا بشَرّ، وإن هم دخلوا المدينة قاتلناهم فيها " ، وكان رسول الله يعجبه أن يدخلوا عليه المدينة فيُقَاتَلوا في الأزقة.

فقال رجال من المسلمين ممن فاتهم يوم بدر، وأكرمهم الله بالشهادة يوم أُحُد: اخرج بنا إلى أعدائنا.

فلم يزالوا برسول الله، من حبهم للقاء العدو، حتى دخل رسول الله فلبس لأْمَتَهُ، فلما رأوه وقد لبس السلاح، ندموا، وقالوا: نُشير على رسول الله والوحي يأتيه، فقاموا واعتذروا إليه، وقالوا: اصنع ما شئت، فقال: " لا ينبغي لنبي أن يلبس لأْمَتَهُ فيضعها حتى يقاتل ". وكان قد أقام المشركون بأُحُد يوم الأربعاء والخميس، فراح رسول الله يوم الجمعة بعد ما صَلَّى بأصحابة الجمعة، وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار، فصلَّى عليه، ثم خرج إليهم، فأصبح بالشِّعْب من أُحُد يوم السبت للنصف من شوَّال، سنة ثلاث من الهجرة، وكان من أمر حرب أُحُد ما كان، فذلك قوله: { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ".


السابقالتالي
2 3