قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ } نزلت ناهية لطائفة من المؤمنين، كانوا يواصلون رجالاً من اليهود والمنافقين لما بينهم من الحِلْف، والرَّضاع، والقرابة، والجِوار، والصداقة. وبطانة الرَّجُل: خَاصَّتُه الذين يَسْتَبْطِنُونَ أمره، ويَظْهَرُون على سره، مأخوذ من بطَانة الثوب. ومنه قوله: " الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي ". أي: جماعتي، وموضع سري، وقوله: " الأنصار شعار، والناس دِثار ". وقوله: " من دونكم " أي: من دون أبناء جنسكم، وهم المسلمون. ويجوز أن يكون متعلقاً بـ " لا تتخذوا بطانة " على معنى: بطانة كائنة من دونكم مجاوزة لكم. ثم علَّل ذلك فقال: { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } أي: فساداً، أو شراً. والمعنى: لا يدعون من جهدهم شيئاً في إدخال الفساد عليكم. يقال: ألاَ في الأمر يَألُو أَلْواً؛ إذا قَصَّر فيه. ومنه قول ابن مسعود حين بايعوا عثمان رضي الله عنهما: " ولم نَأْلُ عن خَيْرنا ذي فُوق ". و " خبالاً " تمييز، أو مصدر، أو مفعول ثان، على معنى: لا يمنعونكم، ولا ينقصونكم خبالاً. { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } " ما " مصدرية، والمعنى: أحبوا عنتكم وإدخال المشقة عليكم، والإضرار لكم في دينكم ودنياكم. والعَنَتُ: شِدَّةُ الضَّرَر، والمَشَقَّة. { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } بما تسمعون منهم، من شتمكم، والكذب عليكم، { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ } من الغِلّ والحِقْد والحَسَد { أَكْبَرُ } مما يبدون من أفواههم. قال القاضي أبو يعلى: في هذه الآية دلالة على أنه لا يجوز الاستعانة بأهل الذمة في أمور المسلمين من العمالات، والكتابة، ولهذا قال الإمام أحمد: لا يستعين الإمام بأهل الذمة على قتال أهل الحرب. وقد روي أن عمر رضي الله عنه، كتب إلى أبي موسى -وقد بلغه أنه استكتب ذمياً-: لا تردوهم إلى العز بعد إذ أذلهم الله. قوله: { هَآأَنْتُمْ } قال صاحب الكشاف: " ها " للتنبيه، " أنتم " مبتدأ، " أولاء " خبره، أي: أنتم أولاء الخاطئون في موالاة منافقي أهل الكتاب. قوله: { تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ } بيان لخطئهم في موالاتهم، حيث يبذلون محبتهم لأهل البغضاء. وقيل: [ " أولاء " ] موصول، " تحبونهم " صلته، والواو في " وتؤمنون " للحال، وانتصابها من " لا يحبونكم " ، أي: [لا] يحبونكم، والحال أنكم تؤمنون بكتابهم كله، وهم مع ذلك يبغضونكم، فما بالكم تحبونهم، وهم لا يؤمنون بشيء من كتابكم. وفيه توبيخ شديد، بأنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم، ونحوه:{ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ } [النساء: 104]. وبها تمام كلامه. وقيل: معنى الآية: أنتم تحبونهم؛ لأنكم تريدون لهم الإسلام، ولا يحبونكم؛ لأنهم يريدون لكم الضلال.