الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } * { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

قوله: { لَيْسُواْ سَوَآءً } يعني: اليهود، ثم بيَّن ما به وقع انتفاء المساواة، فقال: { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ } مستقيمة عادلة.

قال ابن عباس: قائمة على الحق، وعلى أمر الله، لم يتركوه، كما تركه الآخرون.

وقال السدي: قائمة بطاعة الله.

{ يَتْلُونَ } في موضع رفع صفة لـ " أمة " ، ومثله: { يُؤْمِنُونَ }. والمعنى: يقرؤون كتاب الله، { آنَآءَ ٱللَّيْلِ } ساعاته، واحدها: إِنْي، مثل: نِحْي، أو: إِنَى، مثل: مِعَى.

قال السدي: " آناء الليل ": جوف الليل.

وروى سفيان عن منصور: أنها ما بين المغرب والعشاء.

وقال قتادة: هي ساعات غير معينة.

{ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } أي: يصلون النوافل، وقيل: هو السجود المعروف.

فعلى القول الأول: تكون الواو للحال.

{ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } وهو اتباع محمد، { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } وهو مخالفته، { وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } يبادرونها خوف الفوت بحلول الموت.

ومعنى الآية: من أهل الكتاب أمّة موصوفون بهذه الصفات، وهم الذين أسلموا من اليهود؛ كعبد الله بن سلام، ومنهم من أَصَرَّ على يهوديته وكفره، وهم الأكثرون، وإنما اقتصر على الإخبار عن أمة واحدة؛ لوضوح المعنى وظهوره؛ كقوله:أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ } [الزمر: 9]، ولم يذكر ضده، ومثل ذلك قول الشاعر:
وَمَا أَدْرِي إِذا يَمَّمْتُ أَرْضاً   أُرِيدُ الخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي
أَأَلخَيْر الذي أَنَا أَبْتَغِيهِ   أَمِ الشَّر الذي هُوَ يَبْتَغِينِي
أراد: أريد الخير، وأتقي الشر، ولذلك قال: " أيهما يليني " ، وقال: " أم الشر ".

قوله تعالى: { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ } خطابٌ لأمة محمد.

وقرأ حمزة والكسائي " وما يفعلوا " بالياء، " فلن يكفروه " بالياء أيضاً، رداً إلى " الأمة القائمة " ، وإخباراً عنهم.

والمعنى: لن يضل عنكم ثوابه، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } أي: بالمحتجزين بالإيمان عن الشرك، والإيقان عن الشكّ.

قوله: { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } قال مجاهد: نزلت في نفقات الكفار يوم بدر.

وقال مقاتل: في نفقة [سفلة] اليهود على علمائهم.

{ كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } وهو البرد الشديد، وقيل: النار، سميت بذلك؛ لتصويتها عند التهابها، فأعلمهم الله عز وجل أن ضرر نفقتهم في طاعة الشيطان ومعصية الله على أنفسهم؛ كضرر هذه الريح على هذا الزرع.

وقوله: { أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } ، بالكفر والمعاصي، ومنع حق الله منه، فإنهم إذا كانوا بهذه المثابة، كان سخط الله عليهم أشد، وكانت العقوبة في حقهم أعظم.

وقيل: ظلموا أنفسهم بالزرع في غير أوانه.

فإن قيل: الغرضُ تمثيلُ نفقتهم في ضياعها وذهاب نفعها بما أهلكته الريح، فكيف قال: " كمثل ريح " ، والمثل ليس للريح، وإنما هو لما أهلكته؟

قلت: قد سبق الكلام على نظائره.

ويجوزُ أن يكونَ المعنى: مَثَلُ إهلاك نفقتهم كمثل إهلاك الريح، أو مثلها كمثل مهلك الريح، وهو الحرث.

قوله: { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ } يعني: المُنْفِقِين، ما ظلمهم إذ لم يتقبل نفقتهم، { وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } حيث لم يسلكوا بها مسلك ما يُتقبل من النفقات التي يُتقرب بها إلى الله، وتجدي على أصحابها نفع الدنيا والآخرة.

ويجوز أن يكون المعنى: وما ظلم الله أصحاب الحرث الذين اجتاحت الريح زرعهم بالعقوبة، ولكن أنفسهم يظلمون حيث ارتكبوا ما أوجبوا ذلك من الكفر والمعاصي.

ويجوز أن يعود الضمير في: " وما ظلمهم الله " للمنافقين الذين ضُرِب المثل لهم وبهم.