الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

قوله: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } نزلت حين قالت طائفة من اليهود للمسلمين: ديننا خير، ونحن أفضل.

قال الزجاج: الخطاب لأصحاب رسول الله وهو يعمُّ سائر أمته. وفي الحديث: " إنَّكُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أنتمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا على الله عَزَّ وجل ".

والمعنى: كنتم في اللوح المحفوظ، أو في علم الله، أو كنتم مذ كنتم، أو كنتم بمعنى: خلقتم، أو كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة موصوفين به.

وذكر الفراء والزجاج: أن معنى " كنتم ": أنتم، كقوله:وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء: 96].

ومعنى الكلام: كنتم خير الناس للناس، وأنفع لهم.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم السلمي، وأبو الحسن علي بن أبي بكر الصوفي، قالا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى، قال: أخبرنا أبو الحسن، عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود قراءة عليه في سنة خمس وستين وأربعمائة، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه بن أحمد بن يوسف بن أعين السرخسي، سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، حدثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري، سنة ست عشرة وثلاثمائة، حدثنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، حدثنا محمد بن يوسف، عن سفيان، عن ميسرة، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: " { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال: خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم، حتى يدخلوا في الإسلام " هذا حديث صحيح.

وقيل: المعنى: كنتم خير الأمم التي أخرجت للناس.

{ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } كلام مستأنف، مبين لكونهم خير أمة.

و " المعروف ": التوحيد، و " المنكر ": الشرك.

قوله: { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } كعبد الله بن سلام، وأصحابه، { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } وهم الذين أصرُّوا على الكفر، وخرجوا عن الطاعة.

ومما يدل على قِلَّة مَن آمن منهم؛ ما أخرج في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: " لَوْ آمَنَ بي عَشَرَةٌ من اليَهُودِ، لَمْ يَبْقَ عَلَى ظَهْرِهَا يَهُودِيٌّ إِلاَّ أَسْلَم ".

قوله: { لَن يَضُرُّوكُمْ } يعني: اليهود، { إِلاَّ أَذًى } أي: ضرراً مقتصراً على أذى، من بُهْتٍ يختلقونه، وباطل يلقونه.

ثم ضمن الله النصر للمسلمين، فقال: { وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ }. وقوله: { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } جملة معطوفة على الشرط والجزاء. والتقدير: ثم أخبركم وأبشركم أنهم لا ينصرون، ولذلك لم يجزم.

قوله: { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ } أي: أينما وجدوا، وقد سبق تفسيره في البقرة، { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ } في موضع الحال، على معنى: إلا معتصمين، أو متمسكين بحبل من الله، أي عهد منه، وعهد من الناس، الذين هم ناس على الحقيقة، وهم المسلمون، وعهدهم عقد الذمة لأهل الكتاب، ونسبته إلى الله لصدور الإذن فيه من جهته.

قال الزجاج: وما بعد الاستثناء في قوله: { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ } ليس من الأول، وإنما المعنى: أنهم أذلاء إلا أنهم يعتصمون بالعهد إذا أعطوه.

وباقي الآية مُفسَّر في البقرة.