الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال ابن مسعود: هو أن يُطاع فلا يُعصَى، وأن يُذكر فلا يُنسَى، وأن يُشكر فلا يُكفر.

ورواه مرفوعاً إلى النبي.

وقال ابن عباس: هو أن تجاهدوا في الله حق جهاده، وأن لا تأخذكم في الله لومة لائم، وأن تقوموا لله بالقسط، ولو على أنفسكم، وآبائكم وأبنائكم.

فصل

ذهب ابن عباس - في رواية - وسعيد بن جبير وقتادة وأكثر المفسِّرين إلى أن هذا منسوخ بقوله:فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [التغابن: 16]، والذاهبون إلى إحكامه جعلوا قوله: " مَا اسْتَطَعْتُمْ " مفسراً لقوله: { حَقَّ تُقَاتِهِ }.

قوله: { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } قال صاحب الكشاف: معناه: لا تموتن على حال سوى حال الإسلام، إذا أدرككم الموت، كما تقول لمن تستعين به على لقاء العدو: لا تأتني إلا وأنت على حصان، لا تنهاه عن الإتيان، [ولكنك] تنهاه عن خلاف الحال التي شرطت عليه في وقت الإتيان.

قوله: { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً } قال الزجاج: " اعتصموا ": استمسكوا.

قال ابن مسعود: " حبل الله ": كتابه.

وقال في رواية أخرى: الجماعة.

وقال مجاهد: عهد الله.

و " جميعاً " نصب على الحال.

{ وَلاَ تَفَرَّقُواْ } أصلها: تتفرقوا، فحذفت التاء الثانية الأصلية؛ لاتفاقهما في الجنسية.

فإن قيل: هلاَّ حُذفت التاء الأولى -لمكان زيادتها- وأقرّتِ الأصلية؟

قلتُ: لأن الأُولى دخلت لمعنى الاستقبال، فكان حذف ما لا معنى فيه أولى.

وابن كثير في رواية البزي يشدِّد التاء على الإدغام، وهذا مذهبه في كل ما أصله تاءان، مثل:وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ } [البقرة: 267]،وَلاَ تَجَسَّسُواْ } [الحجرات: 12]، وذلك في إحدى وثلاثين موضعاً في القرآن.

والمعنى: لا تختلفوا وتتفرقوا، كما تفرقت اليهود والنصارى.

{ وَٱذْكُرُواْ } أيها الأوس والخزرج { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً } تتناحرون، ورحى الحرب تدور بينكم مائة وعشرين سنة { فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ } بالإسلام، وبمحمد عليه الصلاة والسلام، { فَأَصْبَحْتُمْ } أي: فَصِرْتُم { بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } يعني: إخوة في الدين { وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ } أي: على حرف هوة { مِّنَ ٱلنَّارِ } وهو تمثيل لقربهم من الهلاك، على معنى: ليس بينكم وبين الخلود في النار سوى مفارقة هذه الدار، { فأنقذكم منها } بمحمد.

وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة عن النبي قال: " إنَّ الله كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثاً، وَرَضِيَ لَكُمْ ثَلاثاً. رَضِيَ لَكُمْ أنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بهِ شَيْئاً، وَأنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ الله جَمِيعاً، وَأنْ تَنْصَحُوا لِوُلاةِ الأمْرِ. وَكَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَإضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ".

{ كَذٰلِكَ } أي: مثلُ ذلك البيان الواضح { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } إرادة أن تزدادوا هدى.

ويروى: أن أعرابياً سمع ابن عباس يقرأ هذه الآية فقال: والله ما أنقذهم منها، وهو يريد أن يوقعهم فيها، فقال ابن عباس: خذوه من غير فقيه.