قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال ابن مسعود: هو أن يُطاع فلا يُعصَى، وأن يُذكر فلا يُنسَى، وأن يُشكر فلا يُكفر. ورواه مرفوعاً إلى النبي. وقال ابن عباس: هو أن تجاهدوا في الله حق جهاده، وأن لا تأخذكم في الله لومة لائم، وأن تقوموا لله بالقسط، ولو على أنفسكم، وآبائكم وأبنائكم. فصل ذهب ابن عباس - في رواية - وسعيد بن جبير وقتادة وأكثر المفسِّرين إلى أن هذا منسوخ بقوله:{ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [التغابن: 16]، والذاهبون إلى إحكامه جعلوا قوله: " مَا اسْتَطَعْتُمْ " مفسراً لقوله: { حَقَّ تُقَاتِهِ }. قوله: { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } قال صاحب الكشاف: معناه: لا تموتن على حال سوى حال الإسلام، إذا أدرككم الموت، كما تقول لمن تستعين به على لقاء العدو: لا تأتني إلا وأنت على حصان، لا تنهاه عن الإتيان، [ولكنك] تنهاه عن خلاف الحال التي شرطت عليه في وقت الإتيان. قوله: { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً } قال الزجاج: " اعتصموا ": استمسكوا. قال ابن مسعود: " حبل الله ": كتابه. وقال في رواية أخرى: الجماعة. وقال مجاهد: عهد الله. و " جميعاً " نصب على الحال. { وَلاَ تَفَرَّقُواْ } أصلها: تتفرقوا، فحذفت التاء الثانية الأصلية؛ لاتفاقهما في الجنسية. فإن قيل: هلاَّ حُذفت التاء الأولى -لمكان زيادتها- وأقرّتِ الأصلية؟ قلتُ: لأن الأُولى دخلت لمعنى الاستقبال، فكان حذف ما لا معنى فيه أولى. وابن كثير في رواية البزي يشدِّد التاء على الإدغام، وهذا مذهبه في كل ما أصله تاءان، مثل:{ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ } [البقرة: 267]،{ وَلاَ تَجَسَّسُواْ } [الحجرات: 12]، وذلك في إحدى وثلاثين موضعاً في القرآن. والمعنى: لا تختلفوا وتتفرقوا، كما تفرقت اليهود والنصارى. { وَٱذْكُرُواْ } أيها الأوس والخزرج { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً } تتناحرون، ورحى الحرب تدور بينكم مائة وعشرين سنة { فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ } بالإسلام، وبمحمد عليه الصلاة والسلام، { فَأَصْبَحْتُمْ } أي: فَصِرْتُم { بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } يعني: إخوة في الدين { وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ } أي: على حرف هوة { مِّنَ ٱلنَّارِ } وهو تمثيل لقربهم من الهلاك، على معنى: ليس بينكم وبين الخلود في النار سوى مفارقة هذه الدار، { فأنقذكم منها } بمحمد. وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة عن النبي قال: " إنَّ الله كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثاً، وَرَضِيَ لَكُمْ ثَلاثاً. رَضِيَ لَكُمْ أنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بهِ شَيْئاً، وَأنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ الله جَمِيعاً، وَأنْ تَنْصَحُوا لِوُلاةِ الأمْرِ. وَكَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَإضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ". { كَذٰلِكَ } أي: مثلُ ذلك البيان الواضح { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } إرادة أن تزدادوا هدى. ويروى: أن أعرابياً سمع ابن عباس يقرأ هذه الآية فقال: والله ما أنقذهم منها، وهو يريد أن يوقعهم فيها، فقال ابن عباس: خذوه من غير فقيه.