قوله تعالى: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } قال سعد بن أبي وقاص الزهري، -واسم أبي وقاص: مالك-: فيّ أنزلت هذه الآية، كنتُ رجلاً بارّاً بأمي، -واسمها: حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف،- وكنتُ أَحَبَّ أولادها إليها، فلما أسلمتُ قالت: يا سعد! ما هذا الدين الذي قد أحدثت؟ لتَدَعَنَّ دينكَ هذا أو لا آكل ولا أشرب، ولا يُظلني سقف حتى أموت، فتُعيَّرَ بي فيقال لك: يا قاتل أمه؟ فقلت: لا تفعلي يا أماه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء، قال: فمكثتْ يوماً وليلةً لا تأكل ولا تشرب، فأصبحتْ وقد جُهِدَتْ، ثم مكثتْ يوماً آخر وليلة لا تأكل ولا تشرب، فلما رأيتُ ذلك قلتُ: تعلمين والله يا أماه لو كانت لك مائة نفسٍ فخرجت نفساً بعد نفس، ما تركتُ ديني هذا لشيء، فكُلي وإن شئت [فلا] تأكلي، فلما رأتْ ذلك أكَلَت، وأنزل الله هذه الآية. قال جماعة من المفسرين: أنزل الله فيه هذه الآية والتي في لقمان والتي في الأحقاف، فأمره النبي أن يترضّاها ويُحسن إليها ولا يطيعها في الشرك. وقيل: نزلت في [عياش] بن أبي ربيعة المخزومي، وقد ذكرنا قصته مع أمه في سورة النساء عند قوله:{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } [النساء: 92]. قال الزجاج: المعنى: ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يَحْسُن. وقال صاحب الكشاف: المعنى: ووصينا بإيتاء والديه حسناً، أو بإيلاء والديه حسناً أي: فِعْلاً ذا حُسْن، أو ما هو في ذاته حَسَنٌ لفرط حسنه، كقوله تعالى:{ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } [البقرة: 83]. { وَإِن جَاهَدَاكَ } قال أبو عبيدة: فيه إضمار، أي: وقلنا له: وإن جاهداك. { لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أي: ما لا تعلم [صحة] إلاهيته { فَلاَ تُطِعْهُمَآ } ، وفي هذا دليل على أن الحقوق العظيمة تَسْقُطُ إذا [جاءت] مُصَادِمَةً لحقوق الله تعالى جلّت عظمته، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وفي قوله: { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } تحذيرٌ من المخالفة وحثٌ على لزوم قوانين الدين. قوله تعالى: { لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ } أي: في جملتهم وزُمرتهم. وقال ابن جرير: أي: في مدخل الصالحين، وهو الجنة.