الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }

قوله تعالى: { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } قال الزجاج: قيل في تفسيرها: إنهم أُمِرُوا بالهجرة من الموضع الذي لا يمكنهم فيه عبادة الله وأداء فرائضه، وأصل هذا فيمن كان بمكة ممن آمن وكان لا يمكنه إظهار إيمانه، وكذا يجب على كل من كان في بلد يُعمل فيه بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يُهاجر وينتقل إلى حيث يتهيأ له فيه أن يعبد الله تعالى فيه حق عبادته.

ثم ذكَّرهم الموت لتهون عليهم الهجرة فقال: { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } أي واحدة مرارته وكربه كما يجد الذائق طعم المذوق.

{ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } قرئ بالياء على المغايبة حملاً على ما قبله، وبالتاء على الرجوع من الغيبة إلى الخطاب.

والمعنى: ثم إلينا ترجعون بعد الموت، فاستعدوا لذلك بالهجرة وغيرها من أعمال الطاعة. قوله تعالى: { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً } قرأ حمزة والكسائي: " لنُثَويَنَّهُم " من الثواء، وهو الإقامة. وقرأ الباقون: " لنبوئنهم " ، كما قال:نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ } [الزمر: 74]، وقد فسرنا ذلك فيما مضى.

قال ابن عباس: لنسكننّهم غرف الدور والزبرجد والياقوت، ولننزلنّهم قصور الجنة.

ثم وصف تلك الغرف فقال: { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ }.

ثم وصف العاملين فقال: { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } يعني: على مفارقة الأوطان وطاعة الله، { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }.

قال ابن عباس: توكلوا على الله وتركوا دورهم وأموالهم.

وقال مقاتل: كان أحدهم يقول بمكة: كيف أهاجر إلى المدينة وليس لي بها مال ولا معيشة، فقال الله تعالى: { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا }.

قال ابن قتيبة: معنى الآية: كم من دابة لا ترفَعُ [شيئاً] لغدٍ.

قال ابن عيينة: ليس شيء يخبأ إلا الإنسان والفأرة والنملة.

ويقال: للعَقْعَق مخابئ إلا أنه ينساها.

والمعنى: لا تحمل رزقها لضعفها عن حمله.

{ ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا } مع ضعفها حيث توجهت { وَإِيَّاكُمْ } حيث توجهتم، أي: وهو الذي [يرزقكم] أيضاً مع اقتداركم على الكسب وقوتكم وتصرفكم، فهو الذي يرزق الضعيف والقوي، ولذلك ترى الرزق متفاوتاً، فترى الضعيف العاجز محظوظاً محدوداً، والقوي الجَلْد محروماً محدوداً، ولقد أحسن القائل:
يا طالبَ الرِّزْق الهنيّ بقوةٍ   هيهاتَ أنتَ ببَاطِلٍ مَشْغُوف
أكَلَ العقابُ بقوةٍ جِيَفَ الفَلا   وَرَعَى الذُّبابُ الشُّهْدَ وهو ضعيف
ويروى أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " خرجت مع رسول الله حتى دخل بعض حيطان الأنصار، فجعل يلتقط من التمر ويأكل، فقال: يا ابن عمر! ما لك لا تأكل؟ فقلت: لا أشتهيه يا رسول الله، قال: لكني أشتهيه، وهذه صبح رابعة لم أذُقْ طعاماً، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل كسرى وقيصر، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سَنَتِهم، ويضعف اليقين؟ فوالله ما برحنا حتى نزلت: { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا... } الآية ".


السابقالتالي
2