الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

قوله تعالى: { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } أي: ما كان جواب قوم إبراهيم حين أمرهم بعبادة الله تعالى وتقواه، { إِلاَّ أَن قَالُواْ } أي: قال بعضهم لبعض، أو قاله بعضهم ورضيه الباقون، فيكونون بمنزلة القائلين.

والمعنى: إلا أن قالوا سفهاً وعناداً عند انقطاع حجتهم: { ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ } وقد ذكرنا ذلك في سورة الأنبياء.

قوله تعالى: { وَقَالَ } يعني: إبراهيم لقومه: { إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ }. قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: " مَوَدَّةُ " بالرفع من غير تنوين، " بينِكُم " بالجر على الإضافة. على معنى: هي أو تلك مودة بينكم، أو يكون " مودَّةُ " خبر " إن " ، و " ما " موصولة.

وقرأ حمزة وحفص: " مودَّةَ " بالنصب والإضافة، جعلا " ما " مع " إنَّ " كافة، ولم يجعلاها بمعنى الذي، و " مودَّةَ " مفعول له تقديره: اتخذتم الأوثان للمودَّة، ثم أضافها إلى " بينكم " كما أضاف من رفع.

وقرأ الباقون: " مودَّةً " بالنصب والتنوين، " بينكُم " بالنصب على الظرف.

ويجوز أن يكون " مودَّةً " مفعولاً ثانياً، كقوله تعالى:ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [الفرقان: 43] على معنى: اتخذتم الأوثان سبب المودَّةِ بينكم، بتقدير حذف المضاف.

وقرأتُ لعاصم من غير [طُرُقه] المشهورة: " مودَّةٌ " بالرفع والتنوين، " بينَكُم " بالنصب.

{ ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ } فيتبرأ القادة من الأتباع، { وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } يلعن الأتباع القادة لكونهم السبب في إضلالهم. ويجوز أن تكون الأوثان داخلة في الكفر واللعن، كما في قوله:سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [مريم: 82].

قوله تعالى: { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } أي: صدّق إبراهيم، { وَقَالَ } يعني: إبراهيم { إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ } أي: إلى حيث أمرني ربي بالهجرة.

وقيل: مهاجر إلى رضى ربي، فهاجر من كُوثى -وهي من سواد العراق- هو ولوط وسارة، -وهو ابن خمس وسبعين سنة- إلى حَرّان، ثم منها إلى فلسطين.

{ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ } الذي يمنعني من أعدائي { ٱلْحَكِيمُ } الذي يأمرني بما يصلحني.

{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } قال المفسرون: وهب له إسحاق من سارة بعد إسماعيل، وكان إسماعيل من هاجر التي وصلت إليه من الجَبَّار بحرّان، وحديثهم معروف صحيح.

{ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ } أي: في ذرية إبراهيم { ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ } يريد: جنس الكتب.

قال المفسرون: لم يبعث الله تعالى نبياً قط بعد إبراهيم إلا من صلبه.

فإن قيل: ما بال إسماعيل لم يذكر، وقد ذُكِر إسحاق؟

فقد أجاب عنه الزمخشري فقال: قد دلّ على إسماعيل في قوله: { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ } ، فكفى الدليل لشُهرة أمره وعُلُوّ قدره.

ويحتمل عندي أن يقال في الجواب: المقصود من ذلك: الإعلام بعجيب ما جُوزي [به] إبراهيم -على صبره على الأهوال في ذات الله عز وجل، وهجرته من وطنه- من النعم العظيمة التي قلَّ المشارك فيها أو عُدم، من كونه دوحة الأنبياء، ومَقَرَّ العلوم النازلة من السماء، وكونه رُزق إسحاق من عجوز عقيم لا يُرجى من مثلها ولد، ألا تراها تقول حين بُشِّرت:

السابقالتالي
2