قال الله تعالى: { الۤـمۤ * أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } قال ابن عباس: يريد بالناس: الذين آمنوا بمكة؛ سلمة بن هشام، [وعياش] بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، وعمار بن ياسر وغيرهم. وقال مقاتل: نزلت في مِهْجَع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر، رماه عامر بن الحضرمي فقتله، فقال النبي: " سيد الشهداء مِهْجَع، وهو أول من يُدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة " ، فجزع عليه أبواه وامرأته جزعاً شديداً، فأنزل الله تعالى هذه الآية. قال الزجاج: هذا اللفظ لفظ استخبار. والمعنى معنى تقرير وتوبيخ. ومعناه: أحَسِبُوا أن نَقْنَع منهم أن يقولوا " إنا مؤمنون " فقط ولا يُمتحنون بما تبين به حقيقة إيمانهم. قال مجاهد وقتادة والسدي: { وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ }: أي: لا يُبتلون في أموالهم وأنفسهم بالقتل والتعذيب. { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي: ابتليناهم بضُروب المِحَن وأنواع المصائب؛ تمييزاً للمخلص من غير المخلص، والثابت القَدَم في الإسلام من المُزَلْزَل، والصابر من الجازع. قال ابن عباس: منهم خليل الله إبراهيم وقوم كانوا معه ومن بعده نُشروا بالمناشير على دين الله، فلم يرجعوا عنه. فإن قيل: بماذا يتصل قوله تعالى: { وَلَقَدْ فَتَنَّا }؟ قلت: جائز أن يتصل بـ " أحسب " ، وجائز أن يتصل بـ " لا يفتنون ". { فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } أي: ليعلمن الله ذلك واقعاً. وقال مقاتل: المعنى: فليرينّ الله الذين صدقوا في إيمانهم عند البلاء، فصبروا لقضاء الله، وليرينّ الذين كذبوا في إيمانهم، فَشَكُّوا عند البلاء. ويجوز أن يكون ذلك وعداً ووعيداً، كأنه قيل: وليثبتن الله الذين صدقوا، وليعاقبن الكاذبين. وقال أبو الفتح ابن جني: هو على إقامة السَّبَب مقام المُسَبَّب، والغرض فيه: فليُكَافئنّ الله الذين آمنوا، وذلك أن المكافأَة على الشيءِ إنما هي مُسبّبة عن علم، ولو لم [يُعلَم] لما صَحَّت المكافأَة، ومثله: من إقامة [السَّبَب مقام المُسَبَّب] قول الله تعالى:{ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } [المائدة: 75]. وقرأ علي عليه السلام وجعفر بن محمد: " فَلَيُعْلِمَنَّ " بضم الياء وكسر اللام في المواضع الأربعة من هذه السورة، وهي هذان الموضعان، وقوله تعالى:{ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } [العنكبوت: 11]. على معنى: ليُعرِّفَنَّ اللهُ الناسَ منْ هم، فحذف أحد المفعولين. ويجوز أن يكون: فليَسِمَنَّ الله الفريقين بسِمَةٍ وعلامةٍ يُعرفون بها. أما في الدنيا [فبظهور] آثار الصدق وأنوار الإيمان على وجوه المتصفين بهما، وظهور آثار الكذب والنفاق على [المتصفين] بهما. وأما في الآخرة فبياض الوجوه واسودادها وكُحل العيون [أو زُرقتها]، إلى غير ذلك من الأمارات الفاصلة بين الفريقين.