الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ }

قوله تعالى: { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ } قال الزجاج: هو معطوف على " نوحاً ".

وقال الزمخشري: نَصَبَ " إبراهيم " بإضمار " اذكر " ، وأبدل عنه " إذ " بدل الاشتمال؛ لأن الأحيان تشتمل على ما فيها، [أو] هو معطوف على " نوحاً " ، و " إذ " ظرف لـ " أرسلنا " ، يعني: أرسلناه حين بلغ من السن والعلم مبلغاً صَلُحَ فيه لأن يَعِظَ قومه وينصحهم، ويأمرهم بالعبادة والتقوى.

{ ذٰلِكُمْ } يعني: العبادة والتقوى { خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } الخير من الشر.

المعنى: ولكنكم لا تعلمون.

{ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً } أي: أصناماً { وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً } بتسميتكم إياها آلهة وشركاء لله، أو بزعمكم أنها تشفع لكم.

وقيل: أراد بالإفك: الأوثان، جعل نَحْتَهُم لها خَلْقاً للإفك.

ثم بيّن عجزها فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً } أي: شيئاً من الرزق، { فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ } [أي]: وحِّدُوه { وَٱشْكُرُواْ لَهُ } بالتوحيد والعبادة نعمه من الخلق والرزق وغيرهما { إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فاستعدُّوا للقائه.

قوله تعالى: { وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ } إلى قوله:فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } [العنكبوت: 24] جائز أن يكون من جملة قول إبراهيم لقومه، ويكون قوله:قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [العنكبوت: 20] من كلام الله تعالى حكاه إبراهيم لقومه، كما حكى رسول الله كلام الله تعالى على هذا النمط في كثير من القرآن.

وجائز أن يكون من جملة ما خوطبت به قريش، وقع اعتراضاً بين أول قصة إبراهيم وآخرها، ويكون المقصود منه تهديد كفار قريش، وتسلية لرسول الله، إذ كان أبوه إبراهيم خليل الله مَمْنُوّاً بنحو ما بُلي به من شرك قومه وتكذيبهم الحق الذي جاء به، وكون العاقبة كانت له.

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } وقرأ أهل الكوفة: " تروا " بالتاء على المخاطبة.

{ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ } أي: يخلقهم ابتداء من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة حتى يتكامل خلقه.

قوله تعالى: { ثُمَّ يُعِيدُهُ } ليس بمعطوف على " يُبْدِئ " ، وليست الرؤية واقعة عليه، وإنما [هو] إخبار مستأنف بالإعادة بعد الموت، ونحوه:فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ } [العنكبوت: 20] فإن النظر وقع على الابتداء دون الإنشاء.

أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي -رحمه الله- قراءةً عليه وأنا أسمع، أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدالله النحوي، حدثني أبي قال: سمعت أبا بكر ابن الأنباري يقول: دخلنا المارستان بباب المحوَّل، فسمعت رجلاً في بعض البيوت يقرأ: { أو لم تروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده } فقال: أنا لا أقف إلا على قوله: " كيف يبدئ الله الخلق " فأقف على ما عرفه القوم وأقَرُّوا؛ لأنهم لم يكونوا يُقرّون بإعادة الخلق، وأبتدئ بقوله: " ثم يعيده " ليكون خبراً.

السابقالتالي
2