الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ } * { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ } أي: أوجب عليك القيام بتبليغه والنهوض بأعباء تكاليفه، وألزمك العمل به، ودعاء الخلق إليه، { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } ليس لغيرك من البشر، وهو المقام الذي أُعِدَّ له في الجنة، وهو قول ابن عباس في رواية عكرمة، وبه قال مجاهد والحسن وأبو صالح والزهري.

فإن قيل: هذا اللفظ مُشْعِرٌ بأنه كان في الجنة؟

قلت: قد كان ذاك ليلة المعراج، أو حين كان في صُلب آدم، أو ساغ ذلك لكثرة تلبسه بها، تارة بعرضها عليه حتى هَمَّ بأخذ القِطْف منها، وتارة بدخوله إليها في منامه، ومنام الأنبياء وَحْيٌ، وقد دخلها في المنام مراراً كثيرة.

على أني أقول: العرب تقول: رجع فلان إلى كذا، وإن لم يكن له سابقة بذلك. وقد قررناه فيما مضى.

وقال ابن عباس -في رواية العوفي- والضحاك ومقاتل: نزلت هذه الآية في الجحفة، في مسير النبي مهاجراً إلى المدينة، فتذكَّر وهو بالجحفة مكة، وكونها مولدُه ومولد آبائه، فاشتاق إليها، فأتاه جبريل فقال: يا محمد، أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟ فقال: نعم، فقال: فإن الله يقول: { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } ، أي: إلى مكة ظاهراً عليها.

قال القتيبي: مَعَادُ الرجل: بلده؛ لأنه [ينصرف] [في البلاد ويضرب في الأرض] ثم يعود إليه.

قلت: وحنينه إلى بلده من جملة أخلاقه الكريمة التي طُبع عليها.

قالت العرب: أكرمُ الناس آلفُهُم للناس.

وقال بعض الحكماء: حنين الرجل إلى أوطانه من علامة الرِّشْدَة، وقد أحسن القائل:
إذا أنَا لا أشتاقُ أرضَ عشيرتي   فليسَ مكاني في النُّهى بمَكِين
وإنْ أنَا لمْ أرعَ العهودَ على النَّوَى   فلستُ بمأمونٍ ولا بأَمين
قال أبو دُلف العجلي: أَلْأَمُ بيت قالته العرب:
تَلْقَى بكل بلادٍ إنْ حَللْتَ بها   أهلاً بأهْلٍ وجيراناً بجيران
وذلك لأنه يدل على قلّة رعايةٍ وشدّة قساوة.

وقيل: " [لرادك] إلى معاد ": أي: [إلى] القيامة.

قال [الزجاج]: وهذا أكثر التفسير.

قال صاحب الكشاف: إن قلت: كيف اتصل قوله: { قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ } بما قبله؟

قلت: لما وَعَدَ رسول الله الرد إلى معاد قال: { قُل } للمشركين: { رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ } يعني: نفسه وما يستحقه من الثواب في معاده، { وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } يعنيهم وما يستحقونه من العقاب في معادهم.

قوله تعالى: { وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } قال الفراء: هذا استثناء منقطع.

وقال الزمخشري: هذا كلام محمول على المعنى، كأنه قيل: وما ألقي عليك الكتاب إلا رحمة من ربك.

قوله تعالى: { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ } وقرئ شاذاً: بضم الياء وكسر الصاد، من أصَدَّه بمعنى: صَدَّه، وهي لغة كلب. قال شاعرهم:

السابقالتالي
2