الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } * { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ }

قوله تعالى: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } السبب في ذلك على ما نقله أهل العلم بالتفسير والسير قالوا: كان بدأُ طغيان قارون وفتنته وعصيانه: أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاوز ببني إسرائيل البحر وجعلت الحُبُورة لهارون عليه السلام وهي رئاسة المذْبَح، فكان بنو إسرائيل يأتونه بهدْيِهِم فيضعه على المذبح، فتنزل نارٌ من السماء فتأكله، وَجَدَ قارون في نفسه من ذلك شيئاً، فأتى موسى عليه السلام فقال: يا موسى لك الرسالة، ولهارون الحبورة، ولست في شيء من ذلك، وأنا أقرأ للتوراة منكما، لا صبر لي على هذا؟ فقال موسى: والله ما أنا جعلتها في هارون، بل الله جعلها فيه، فقال قارون: لا أصدقك حتى [تريني] بيانَه، فجمع موسى رؤساء بني إسرائيل فقال: هاتوا عصيّكم، فحزموها وألقاها في قبته التي كان يتعبد فيها، فجعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا، فأصبحت عصا موسى تهتز لها ورق أخضر، فقال موسى: يا قارون ترى هذا؟ قال قارون: فوالله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر، فاعتزل قارون موسى بأتباعه، وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما، وقارون يؤذيه في كل وقت، ولا يزداد على صبر موسى عليه ومداراته إياه إلا عناداً وحسداً وتجبراً، حتى بنى داراً وجعل بابها من الذهب وصفَّح جدرانها بصفائح الذهب.

قال ابن عباس: فلما نزلت الزكاة على نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام أتاه قارون فصالحه من كل ألف دينار على دينار واحد، ومن كل ألف درهم على درهم، ومن كل ألف شاة على شاة، ثم رجع إلى بيته مفكراً في أمره، فحسب ما يبلغ ذلك فوجده كثيراً، فبخل به، فجمع من يركن إليه ويعتمد عليه من بني إسرائيل وقال لهم: إن موسى قد أمركم وقد أطعتموه، وهو يريد الآن أخذ أموالكم، فقالوا: أنت كبيرنا وسيدنا فمرنا بما شئت، فجمع اللعين كيده وقال لبغيّ من بني إسرائيل: إني أعطيك كذا وكذا، قيل: جعل لها ألف دينار، وقيل: طشتاً من ذهب مملوءة ذهباً، وقيل: جعل لها حُكْمَها، وقال لها: أخلطك بأهلي ونسائي على أن تجيئي غداً إذا اجتمعت بنوا إسرائيل فتقذفي موسى بنفسك، فقالت: نعم.

فلما كان من الغد جمع قارون بني إسرائيل، ثم أتى موسى فقال له: إن بني إسرائيل قد اجتمعوا ينتظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم، فخرج إليهم موسى وهم في بَرَاحٍ من الأرض، فقام فيهم فقال: يا بني إسرائيل! من سرق قطعنا يده، ومن افترى جلدناه، ومن زنى وليست له زوجة جلدناه، ومن زنى وله امرأة رجمناه حتى يموت، فقال له قارون: وإن كنت أنتَ؟ فقال: وإن كنتُ أنا، قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فَجَرْتَ بفلانة، فقال: ادعوها، فوقفت بين يديه، فقال لها موسى صلوات الله عليه: يا فلانة، أنا فعلتُ بك الذي يقول هذا؟ وعظَّم عليها ووعَظَها، وسألها بالذي فلق البحر وأنزل التوراة إلا صَدَقْتِ، فتداركها الله تعالى بتوفيقه، وقالت في نفسها: يا ويلها قد عملت كل فاحشة، وما بقي إلا أن أفتري على نبي الله موسى، فقالت: لا والله، ولكل جعل لي قارون جُعلاً على أن أقذفك بنفسي، فَخَرَّ موسى عليه الصلاة والسلام ساجداً يبكي ويقول: اللهم إن كنتُ رسولك فاغضب لي، فأوحى الله تعالى إليه أني قد أمرت الأرض أن تطيعك، فَمُرْها بما شئت، فقال موسى: يا أرض خُذيه، - وهو على فراشه وسريره -، فأخذته حتى غَيَّبَتْ سريره، فلما رأى ذلك قارون ناشده بالرَّحم، فقال: يا أرض خذيه، فأخذته حتى غيّبت قدميه، ثم قال: خذيه، فأخذته حتى غيّبت ركبتيه، ثم قال: خذيه، فأخذته حتى غيّبت حقويه، وهو في ذلك كله يناشده الرَّحم ويتضرع إليه، حتى لقد قيل: ناشده سبعين مرة، وموسى لا يلتفت إليه لشدة غضبه عليه، فلم يزل يقول: خُذيه خُذيه حتى انطبقت عليه الأرض، فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى! ما أفظّك، استغاث بك سبعين مرة فلم تُغِثْهُ ولم ترحمه، أما وعزتي لو إيَّايَ دعا مرةً واحدةً لوجدني قريباً مجيباً.

السابقالتالي
2 3