الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } * { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }

قوله تعالى: { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ } قارون اسم أعجمي مثل هارون ولم ينصرف للعجمة والتعريف.

قال الزجاج: ولو كان فاعولاً من العربية، من قرنْتُ الشيء لا يُصْرف.

واختلفوا في قرابته من موسى؛ فقال ابن عباس وقتادة ومقاتل وأكثر المفسرين: كان ابن عم موسى، وهو قارون بن يَصْهُر بن قَاهَث، وموسى بن عمران بن قَاهَث. وقد ذكرنا نسبه في البقرة.

وروى عطاء عن ابن عباس: أنه كان من سبط موسى، وهو ابن خالته.

وقال ابن إسحاق: كان عمّ موسى.

قال قتادة: وكان يسمى المنوّر؛ لحسن وجهه وصورته، ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة منه، ولكن عدو الله نافَقَ كما نافَقَ السامري.

{ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } أي: جاز الحدّ في التكبّر والتجبّر.

قال قتادة: بغى عليهم بكثرة ماله.

وقال الضحاك: كفر.

وقال شهر بن حوشب: زاد عليهم في الثياب شبراً.

{ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ } قال الضحاك والسدي: يعني: خزائنه.

قال الزجاج: هذا هو الأشبه.

قال أبو صالح: كانت خزائنه تُحمل على أربعين بغلاً.

وقال مجاهد وقتادة: يريد: مفاتيح الأبواب.

روى الأعمش عن خيثمة قال: وجدت في الإنجيل أن مفاتيح خزائن قارون وَقْرُ ستين بغلاً، ما يزيد منها مفتاح على إصبع، لكل مفتاح منها كنز، وهو قوله تعالى: { لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ } أي: تُثقِلُهم وتميل بهم. يقال: نَاءَ به الحِمْل؛ إذا أثقله، يَنُوءُ به.

قال الفراء والزجاج: المعنى: لتُنِيءُ العصبة، فلما دخلت الباء في العُصْبة انفتحت التاء، كما يقولون: هذا يُذْهِبُ الأبصار وهذا يَذْهَبُ بالأبصار.

والعُصبة: الجماعة الكثيرة، والعِصابة مثلها، واعصوصبوا: اجتمعوا.

قال ابن عباس: كان يحمل مفاتيحه أربعون رجلاً أقوى ما يكون من الرجال.

{ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ } محل " إذ " منصوب بـ " تَنُوءُ " ، والمراد: إذ قال له قومه المؤمنون من بني إسرائيل: { لاَ تَفْرَحْ } أي: لا تبطر وتمرح، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } الأشرين البطرين. قال الشاعر:
ولستُ بمِفْراحٍ إذا الدهرُ سَرَّني   ولا جَازعٍ مِنْ صَرْفِه المُتَحَوِّل
وقال بعضهم: لا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأنَّ إليها، فأما من قلبه إلى الآخرة ويعلم أنه مفارق ما هو فيه عن قريب لم تحدثه نفسه بالفرح.

وما أحسن ما قال القائل:
أشدُّ الغَمَّ عندي في سُرور   تيقَّنَ عنه صاحبُه انتقالا
وقيل: معنى: " لا تفرح ": لا تُفسد، كما قال:
إذا أنتَ لم تَبْرَحْ تُؤدِّي أمانةً   وتحملَ أخْرَى [أفرحتْكَ] الودائع
بمعنى: أفسدتك.

قوله تعالى: { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ } أي: اطلب فيما أعطاك من الأموال الجنة والخلاص من النار بالنفقة في سبيل الله ووجوه الطاعة.

{ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا } قال الزجاج: لا تنس أن تعمل لآخرتك؛ لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته.

السابقالتالي
2