ثم خوفهم الله تعالى سوء عاقبة ما هم عليه من الكفر وجحود النعم، ومُقابلتها بعبادة غير المنْعِم بها، فقال: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } قال الزجاج: البَطَرُ: الطغيان عند النعمة. والمعنى: بَطِرَتْ في معيشتها، فلما سقط الحرف الجار تعدّى الفعل فنصب. وقيل: انتصب " معيشتها " لتضمن " بَطِرَتْ " معنى: كفَرَت وغطّت. { فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً } قال ابن عباس: لم يسكنها إلا المسافرون ومارُّوا الطريق يوماً أو ساعة. وفي قوله: { وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } تحقيقٌ لمعنى خُلوّها، وهو نظير قوله:{ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا } [مريم: 40]. { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا } أي: في [أصلها و] قصبتها، { رَسُولاً } لإلزام الحجة وقطع المعذرة، كما فعلنا بكم، وأرسلنا إليكم يا أهل مكة محمداً { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا }. قال مقاتل: يخبرهم الرسول أن العذاب نازلٌ بهم إن لم يؤمنوا. { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } مشركون. أخبر سبحانه وتعالى أنه ما أهلك أمة من الأمم إلا بعد إقامة الحجة وإيضاح المحجّة، وإزاحة العلّة، وإصرارهم مع ذلك على الظلم بالإعراض عن التوحيد والطاعة.