الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } قال الزجاج وغيره: أجمع المسلمون أنها نزلت في أبي طالب.

وذلك أنه قال عند موته: " يا معشر بني هاشم! أطيعوا محمداً وصدقوه تفلحوا وترشدوا، فقال النبي: يا عم تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتَدَعُها لنفسك، قال: فما تريد يا ابن أخي؟ قال: أريد منك كلمة واحدة، فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا أن تقول: " لا إله إلا الله " أشهدُ لك بها عند الله، فقال: يا ابن أخي قد علمتُ أنك لصادق، ولكني أكره أن يقال: جزع عند الموت، ولولا أن يكون عليك وعلى بني أبيك غَضَاضَةٌ ومسبَّة بعدي لقُلْتُها ولأقررت بها عينك " ، فنزلت هذه الآية.

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: " { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } نزلت في رسول الله حيث يراود عمه أبا طالب على الإسلام ".

وقد ذكرنا الحديث المخرج في الصحيحين في سبب نزولها أيضاً في براءة عند قوله تعالى:مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } [التوبة: 113].

والمعنى: إنك لا تقدر أن تُدخل في الإسلام من أحببت أن يدخُل فيه؛ لأنك عبدٌ لا تعلم مَنْ طَبَعْتُ على قلبه وخلقته للنار، ممن شرحتُ قلبه للإسلام وخلقته للجنة.

{ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } ممن سبقت له السعادة، { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } الذين خلقهم للهداية.

قوله تعالى: { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } أي: قال كفار قريش.

وقيل: الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف، قال للنبي: نعلم أنك على الحق، ولكنا نخاف إن اتبعناك، وإنما نحن أكَلَةُ رأس -أي: قليلون- أن تتخطفنا العرب من أرضنا، فقال الله تعالى قاطعاً لمعاذيرهم: { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً } أي: ذا أمن.

ونسبة الأمن إلى الحرم مجاز، وإلى أهل الحرم حقيقة.

والمعنى: يأمنون فيه من المحاربة والإغارة؛ لكونهم قُطَّان البيت المعظّم المحرّم، وسائر العرب يتناحرون ويتغاورون ويتخطفون من حولهم.

المعنى: فكيف يخافون إذا أسلموا وهم بهذه المثابة.

ثم مع كونه حرماً آمناً { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } ، أي: تُجمع وتُجلب إليه.

وقرأ نافع: " تجبى " بالتاء لتأنيث الثمرات، والباقون قرؤا بالياء؛ لأن التأنيث غير حقيقي، أو للحيلولة بين الاسم والفعل.

ولأن الثمرات في معنى الرزق.

والمراد بالكلية في قوله: { كُلِّ شَيْءٍ } الكثرة ، كقوله:وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } [النمل: 23].

قال مقاتل: يحمل إلى الحرم ثمرات كل شيء من مصر والشام واليمن والعراق.

{ رِّزْقاً } مصدر أو مفعول له، أو حال من الثمرات، إن جُعل الرزق بمعنى المرزوق.

فإن قيل: " ثمراتُ " نكرة فكيف ينتصب عنها الحال؟

قلت: تخصصت بالإضافة، فجاز أن تنتصب عنها، كما إذا تخصصت النكرة بالصفة.