الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } * { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

قوله تعالى: { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا } وهو محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، { قَالُواْ } تعنتاً وعناداً: { لَوْلاۤ } أي: هلاّ { أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ } من العصا واليد وفَلْقِ البحر وغيرها من الآيات. قال الله تعالى: { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ } يعني: الذين شابهوهم في الكفر من أمة موسى.

وقيل: الضمير في " يكفروا " يرجع إلى كفار مكة، وذلك أنهم أرسلوا إلى أحبار اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد، فأخبروهم بنعته وصفته في التوراة.

والاستفهام في معنى الإنكار والتوبيخ.

والمعنى: أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل من الآيات الخوارق التي تضطر العقول إلى التصديق بها.

وإن قلنا: هم كفار مكة؛ فالمعنى: أو لم يكفروا بما أوتي موسى مما اشتملت عليه التوراة من صفة محمد.

ويجوز أن يكون قوله: { مِن قَبْلُ } متعلقاً بـ { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ }.

فإن قيل: كيف يتوجه هذا المعنى على قول من قال: هم كفار مكة؟

قلت: قد روي عن الحسن أنه قال: كان للعرب أصل في أيام موسى.

فالمعنى: أو لم يكفر آباؤهم بما أوتي موسى.

{ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا } إن قلنا هم أشباههم في الكفر من أمة موسى، أو آباء كفار مكة على قول الحسن، فالساحران موسى وهارون، وإن قلنا هم الكفار الذين أرسلوا إلى أحبار اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد، فالساحران موسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم.

ويروى أنهم قالوا حين جاءتهم رسلهم من عند اليهود وأخبرتهم بنعته وأنه في كتابهم، قالوا حينئذ: ساحران تظاهرا.

وقرأ أهل الكوفة: " سحران " ، على معنى: ذوو سحر، أو جعلوهما سحرين مبالغة في وصفهما بالسحر.

وقيل: أرادوا بالسِّحْرَين: التوراة والقرآن، ونَسَبَ التَّظاهُر -وهو التعارف- إليهما على الاتساع.

{ وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ } من الرسولين والكتابين { كَافِرُونَ }.

{ قُلْ } يا محمد لكفار مكة { فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ } أي: من الكتابين.

فإن قيل: إتيانهم بكتاب من عند الله مُحال، فما وجه مطالبتهم به؟

قلت: عنه جوابان:

أحدهما: أن يكون هذا خارجاً مخرج التهكُّم والسخرية بهم.

الثاني: أن يكون مقصوده تحقيق المعجز بإظهار عجزهم وانقطاع حجتهم، ونحوه:فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [يونس: 38].

قوله تعالى: { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ } يعني: فقد ظهر انقطاع حجتهم وبان عنادهم، { فَٱعْلَمْ } حينئذ { أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ } أي: ليس عندهم سوى إيثار الهوى.

ثم ذمَّهم بقوله: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى } أي: بغير شاهد ولا دليل واضح { مِّنَ ٱللَّهِ }.

وقوله: " بغير هدى " في محل الحال، على معنى: مخذولاً مخلى بينه وبين هواه.

قوله تعالى: { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ } أي: أتيناهم بالقرآن متواصلاً مفصلاً بالوعد والوعيد والنصائح وأخبار الأمم الماضية، { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } إرادة أن يتذكروا.