الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } * { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ } قال الزجاج: المعنى: وما كنت بجانب الجبل الغربي.

قال ابن عباس: يريد حيث ناجى موسى ربه، وهو قوله تعالى: { إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ } ، وهو الوحي الذي أوحاه إليه، { وَمَا كنتَ } يا محمد { مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } لذلك.

وفي هذا تنبيه على صحة نبوّة محمد حيث أخبر بقصة موسى على الوجه المتعارف عند أهل الكتاب، وعلى ما هو في التوراة، وليس من أهل [العلم] بذلك.

قوله تعالى: { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً } أي: خلقنا أمماً بعد موسى { فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } أي: امتدّ عليهم الزمان فنسوا عهد الله وتركوا أمره.

قال صاحب النظم: هذا الكلام يدل على أنه قد عهد إلى موسى وقومه [عهوداً] في محمد والإيمان به، فلما طال عليهم العُمُرُ وخَلَفَتِ القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها.

وقال صاحب الكشاف: إن قلت: كيف يتصل قوله: { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً } بهذا الكلام؟ ومن أيّ وجه يكون استدراكاً له؟

قلت: من حيث أنّ معناه: ولكنا أنشأنا قروناً كثيرة فتطاول عليهم أمد انقطاع الوحي، فاندرست العلوم، فأرسلناك وكسيناك العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى، كأنه قال: وما كنت شاهداً موسى وما جرى عليه، ولكنا أوحينا إليك، فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة، ودلَّ به على المسَبَّبِ، على عادة الله تعالى في اختصاراته، فإذاً هذا الاستدراك شبيه الاستدراكين بعده.

قوله تعالى: { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً } أي: مقيماً { فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ } أي: تقرأ { عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } المشتملة على قصة موسى وتتعلم منهم.

وقال مقاتل: المعنى: لم تشاهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم.

{ وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } فأرسلناك بهذا إليهم وأنزلناه [عليك] لتقرأه عليهم.

قوله تعالى: { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ } أي: بناحيته { إِذْ نَادَيْنَا } موسى ليلة المناجاة، وهذا قول الأكثرين.

وقال ابن عباس: كان هذا النداء: يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبتُ لكم قبل أن تدعوني، وغفرتُ لكم قبل أن تستغفروني، ورحمتكم قبل أن تسترحموني.

{ وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } قال الزجاج: المعنى لم تشاهد قَصَصَ الأنبياء، ولكنا أوحيناها إليك وقصصناها عليك رحمة من ربك.

{ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ } في زمن الفترة بين عيسى ومحمد [صلى الله عليهما] ونحوه، لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم، { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } يتَّعظون ويتدبّرون.

قوله تعالى: { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ } قال قتادة: يعني العذاب في الدنيا.

{ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } من المعاصي، وأضاف السيئات إلى الأيدي لأنها أكثر ما تُزاول بها.

وجواب " لولا " محذوف، تقديره: لولا أنهم يقولون إذا أصيبوا بمصيبة وعوقبوا بما قدمت أيديهم: هلاّ أرسلت إلينا رسولاً، مُحتجّين بذلك؛ لما أرسلنا إليهم رسولاً، أو لعاجلناهم بالعقوبة.