الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } * { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ }

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } جهلٌ من المخذول، أو تجاهل يستخفّ به أحلامهم، وهو أكبر ظني فيه، ألا ترى إلى قول موسى له:لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الإسراء: 102].

ثم أخذ يتغابى ليُعمِي على عابديه مسالك الإدراك حين عجز عن معارضة خصمه، فقال مُشغلاً للوقت: { فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ } حتى يصير آجُرّاً، { فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً } قصراً طويلاً.

قال أهل التفسير: لما أمر فرعون هامان ببناء الصَّرْح جمع العُمَّال والفَعَلَة، فكانوا خمسين ألف بَنَّاء سوى الأتباع، فرفعوه وشيّدوه ارتفاعاً لم يبلغه بنياناً قط، فلما انتهى رقى فرعون فوقه وأمر بنُشَّابَةٍ فرمى بها نحو السماء، فرجعت ملطّخة بالدم للفتنة التي أرادها الله تعالى به، فقال: قتلت إله موسى، فبعث الله تعالى جبريل فضربَ الصَّرْح بجناحه فقطّعه، فوقعت قطعة على عسكر فرعون فقتلت ألف ألف رجل، ووقعت أخرى في البحر، وأخرى في المغرب.

{ لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } أشرف عليه وأنظر إليه.

وفي هذا دليل على غباوة قومه وفرط جهلهم، حيث أطمعهم في قدرته على نيل أسباب السماوات بصرح يبنيه.

{ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } في قوله: أن له إلهاً غيري.

وقال ابن جرير: المعنى: إني لأظنه كاذباً في ادعائه أن في السماء رباً أرسله.

{ وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ }؛ لأن الكبرياء والعظمة لا تصلحُ إلا لله تعالى، فمتعاطيهما على غير الحق.

{ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } بعد الموت.

{ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ فَٱنظُرْ } يا محمد [بعين] بصيرتك نَظَرَ تفكُّر واعتبار { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ }.

وفي هذا تهديدٌ لكفار قريش، وإيذان بأن العاقبة للرسل صلوات الله عليهم.

{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً }: قادة في الكفر { يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ } أي: لا [يُمنعون] من عذاب الله.

{ وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } مفّسر في هود، { وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ } أي: المطرودين المُبْعَدين. يقال: قَبَّحَ الله فلاناً، أي: أبعده من كل خير.

وقال الكلبي: يعني: سَوَادُ الوجه وزُرْقَة العين.

فعلى هذا هو بمعنى المقبحين المشوّهين الخَلْق.