الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ }

فلما أمره الله تعالى بتبليغ رسالته إلى فرعون، شكا إليه خوفه من القتل بسبب قتله القبطي، وعُقْلَة لسانه، فسأله المعاضدة بأخيه، فذلك قوله: { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } أي: أوضح بياناً، لسلامته من العقدة الكائنة بسبب التحريق، والعُقْلَة الكامنة بأصل التخليق.

{ فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً } أي: عوناً. وترك نافع الهمزة طلباً للخِفَّة.

{ يُصَدِّقُنِي } قرأ عاصم وحمزة: " يُصَدِّقُنِي " بالرفع صفة لـ " ردْءاً " ، وقرأ الباقون بالجزم على جواب السؤال.

وجمهور المفسرين ذهبوا إلى أن الضمير المرفوع في: " يُصدقُني " عائد إلى هارون.

وشذّ مقاتل فقال: المعنى: يُصَدِّقُنِي فرعون.

فجعل ضمير المرفوع له. ويؤيده قراءة من قرأ: " يُصَدِّقُون " على الجمع.

والأول أصح.

قال الزمخشري: ليس الغرض [بتصديقه] أن يقول له: صدقْتَ، أو يقول للناس: صدق موسى، وإنما هو أن يُلَخِّص بلسانه الحق، ويبسط القول فيه، ويجادل به الكفار، ألا ترى إلى قوله: { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ } ، وفَضْلُ الفصاحة إنما يُحتاج إليه لذلك، لا لقوله: صدقتَ، فإن سَحْبَان وباقِلاً يستويان فيه.

وبهذا [البيان] وأمثاله حصل لكتابه مَيْزَ الإنافة على أشكاله، غير أنه مَزَجَ العلم النافع بالسُّمِّ النَّاقِع، فما أليَقَه بإنشاد قول ابن الرومي:
وحَدِيثُها السِّحْرُ الحلالُ لو أنّه   لم يَجْنِ قَتْلَ المسْلِم المتحَرِّز
{ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } وقرأ الحسن: " عُضُدَكَ " بضمّتين.

قال ابن جني: فيها خمس لغات؛ عَضُدٌ، وعَضْدٌ، وعُضُدٌ، وعُضْدٌ، وعَضِدٌ، وأفصحها وأعلاها: عَضُدٌ، نحو: رَجُلٌ. وعَضْدٌ مسكّنٌ من عَضُدَ، وعُضْدٌ منقولُ الضمة من الضاد إلى العين، وعُضُدٌ بضمتين جميعاً كأنه تثقيلُ عُضْد.

والمعنى: سنُقوّيك به ونُعينك، ومنه: عَضَدْتُ فلاناً؛ إذا قوّيته، وذلك لأن العَضُدَ أقوى اليد، ومنه: عِضَادَتا الباب.

{ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً } أي: حُجَّةً بينة تدل على الرسالة، ويلازم صاحبها وصف البسالة، { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } بنوع من أنواع الأذى.

قوله تعالى: { بِآيَاتِنَآ } إما أن يتعلق بقوله: { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً } على معنى: نسلطكما بآياتنا ومعجزاتنا، أو بقوله: { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } على معنى: فتمتنعون منهم بآياتنا، [وإما أن يتعلق بما بعده، على معنى: بآياتنا أنتما الغالبون، فيكون " بآياتنا " ] تبييناً لامتناع تقدّم الصلة على الموصول، أو يكون قسماً جوابه: لا يصلون مقدماً عليه، [أو هو] من لغو القسم الذي لا جواب له في اللفظ.