الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } * { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }

وما بعده سبق تفسيره في طه والنمل إلى قوله: { أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ }.

قرأ عاصم: " جَذْوَةٍ " بفتح الجيم، وضَمَّها حمزة، وكسرها الباقون.

قال ابن عباس: الجذْوَة: قطعة من حطب فيها نار.

قال أبو عبيدة: الجذْوَة: القطعة الغليظة من الخشب [ليس] فيها لهب.

قوله تعالى: { نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي } أي: من جانبه { ٱلأَيْمَنِ } ، وهو الذي عن يمين موسى { فِي ٱلْبُقْعَةِ } وهي القطعة من الأرض { ٱلْمُبَارَكَةِ } بتكليم الله تعالى موسى فيها { مِنَ ٱلشَّجَرَةِ } أي: من ناحيتها.

قال ابن عباس: كانت من عُنَّاب.

وقال الكلبي: شجرة العَوْسَج، ومنها كانت عصاه.

وما بعده سبق تفسيره إلى قوله تعالى: { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ }. قال المفسرون: لما ألقى موسى عصاه فصارت جَانّاً فَزِعَ، فأمره الله تعالى أن يضم إليه [جناحيه] -أي: عضديه- ليذهب عنه الفزع.

قال مجاهد: كل من فَزِعَ فضمّ إليه جناحيه، ذهب عنه الفَزَع، وقرأ هذه الآية.

واختلف القراء في الرَّهَب؛ فقراءة نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الراء والهاء، وقرأ الباقون بضم الراء وسكون الهاء، إلا حفصاً فإنه فتح الراء. وقرأ أبي بن كعب والحسن بضمّهما.

قال ابن الأنباري: الرُّهْبُ والرُّهُبُ والرَّهَبُ، مثل: الشُّغْل والشُّغُل والشَّغَل، والبُخْل والبُخُل والبَخَل، لغات ترجع إلى معنى الخوف والفَرَق.

وقيل: المراد بالجناح: اليد؛ لأن يدي الإنسان بمنزلة جناح الطائر، فإذا أدخل يده تحت عضده فقد ضمّ جناحه إليه.

ويَرِدُ على هذا القول من الإشكال أن يقال: قد سبق هذا المعنى في قوله تعالى: { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } فأيّ فائدة في تكريره؟

ويُجاب عنه بأن يقال: كَرَّرَ المعنى الواحد لاختلاف الغرضين، وذلك أن الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء، وفي الثاني إخفاء الرَّهب.

فإن قيل: فما تصنع [بقوله] تعالى في طه:وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ } [طه: 22] فقد جعل الجناح في هذه الآية مضموماً إليه، وفي الآية التي نحن في تفسيرها مضموماً؟

قلتُ: قال الزجاج: يقال لليد كلها: جناح. فإذا ثبت ذلك وكان الأمر على ما حكاه الزجاج، فالمراد بالجناح المضموم اليد اليمنى وبالمضموم إليه اليد اليسرى.

وقيل: معنى: " اضمم إليك جناحك " سكّن روعك وثبّت جأشك.

قال أبو علي الفارسي: ليس يراد به الضَّمُّ بين الشيئين، إنما أُمِرَ بالعزم على ما أُمر به والجِدّ فيه، ومثله:
اشدُدْ حَيَازيمكَ للموت   ....................
قوله تعالى: { فَذَانِكَ } شدَّد النون ابن كثير وأبو عمرو، وخفَّفها الباقون.

قال الزجاج: التشديد تثنية ذلك، والتخفيف تثنية ذاك، جعل بدل اللام في ذلك تشديد النون في " ذانك ".

وروي عن بعضهم: " فَذَانِيكَ " بياء بعد النون.

وقال أبو علي على هذه القراءة: أُبدل من النون الثانية ياء كراهة التضعيف. حكى أحمد بن يحيى: لا وَرَبِّيكَ ما أفعل، يريد: وَرَبِّكَ.

والإشارة بقوله: " فذانك " إلى اليد والعصا.

{ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ } حجتان من الله تعالى على صدقك.

قال الزجاج: المعنى: أرسلناك { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } بهاتين الآيتين.

{ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } وقال غيره: " إلى فرعون " متعلق بمضمر، فإن شئت كان في موضع الحال من " بُرهانين " ، وإن شئت كان حالاً من المخاطب.