الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } * { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } * { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }

قال محمد بن إسحاق: فرجعتا إلى أبيهما في وقت كانتا لا ترجعان فيه، فأنكر شأنهما فأخبرتاه الخبر، فقال لإحداهما: عليّ به، فرجعت إلى موسى لتدعوه، فذلك قوله تعالى: { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ } ، الجار والمجرور في موضع الحال، تقديره: تمشي مستحية.

قيل: أتت تمشي مشي من لم يعتد الخروج والدخول، قد استترت بكمّ درعها.

{ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } قال بعض العلماء: كَرِهَ قولها: " ليجزيك أجر ما سقيت لنا " وأراد أن لا يتبعها، فلم يجد بداً لما به من الجَهْد.

وقال بعضهم: فعل ذلك لوجه الله تعالى على سبيل البر والمعروف.

وقيل: إطعام شعيب وإحسانه لا على سبيل أخذ الأجرة، ولكن على سبيل التقبُّل لمعروفٍ مبتدأ.

ويروى: أنه قال لشعيب حين عرض عليه الطعام: أعوذ بالله، فقال: أو لست بجائع؟ فقال: بلى، ولكن أخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيتُ لهما، وإنّا أهل بيت لا نبيع [شيئاً] من عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً، فقال له شعيب: لا والله يا شاب، ولكنها عادتي وعادة آبائي، نُقري الضيف ونُطعم الطعام، فأكل موسى عليه السلام.

{ فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ } أي: فلما جاء موسى شعيباً وأخبره خبره وعرفه أنه من سِنْخِ إبراهيم [وسلالة] الرسالة، قال له شعيب: { لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } يشير بذلك إلى أنه ليس لفرعون سلطان على أرضهم.

{ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا } وهي التي تزوجها موسى عليه السلام { يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ } اتخذه أجيراً على الغنم، { إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } كلام جامع للمقصود؛ لأن من اجتمعت فيه الكفاءة والأمانة جدير بتفويض الأشغال إليه، والتعويل في النهوض بأعبائها عليه.

قال عمر بن الخطاب: لما قالت المرأة هذا قال لها شعيب: وما علمك بأمانته وقوته؟ قالت: أمّا قوّته: فإنه رفع الحجر الذي لا يرفعه كذا وكذا، وأما أمانته: فإنه قال لي: امشي خلفي فإني أكره أن تصيب الريح ثيابك فتصف لي جسدك.

وقيل: سَمَّتْه قوياً؛ لنزعه بالدّلو الذي ما كان يُقِلُّه إلا العدد الكثير، فرغب حينئذ فيه شعيب فقال: { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي } أي: تأجرني نفسك، فحذف المفعول.

والمعنى: على أن تكون لي أجيراً ترعى لي غنمي.

{ ثَمَانِيَ حِجَجٍ } أي: سنين، { فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً } قال الزمخشري: أي: عمل عشرٍ. { فَمِنْ عِندِكَ } أي: فإتمامه من عندك لا ألزمكه، لكنه [تفضُّلاً] منك، { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ } بإلزام العشر.

وقوله: { سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } ترغيبٌ له في مصاحبته وإعلامٌ له أنه [ممن] شأنه المساهلة والمجاملة، إلى غير ذلك مما يوصف به أهل الصلاح.

وقوله: " إن شاء الله " حُسْنُ أدبٍ مع الله، واتّكالٌ على توفيقه، واسْتِمدادٌ لمعونته.

السابقالتالي
2