قوله تعالى: { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } أي: قَصَدَها ونحوها. قال المفسرون: خرج حافياً بغير زاد ولا ظهر، ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر، فكان بين مصر ومَدْيَن مسيرة ثمانية أيام، ولم يكن له علم بالطريق، فقال: { عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي } أي: يرشدني، { سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } أي: قَصْدَ الطريق إلى مدين. قال السدي: فبعث الله تعالى له مَلَكاً فدلَّه، فورد مدين وخضرة البقل تتراءى في بطنه من الهزال. قوله تعالى: { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } يعني: بئرهم التي يستقون منها، { وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً } أي: جماعة { مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ } أي: يسقون مواشيهم. وحذف المفعول؛ لأن الغرض هو الفعل، ومثله: " تذودان " ، و " لا نسقي ". { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ } أي: في مكان أسفل من مكانهم { ٱمْرَأَتَينِ } وهما ابنتا شعيب عليه السلام، { تَذُودَانِ } أي: تدفعان وتطردان غنمهما عن أن تختلط بأغنام الناس، { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا } أي: ما شأنكما لا تسقيان، { قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ }. قرأ ابن عامر وأبو عمرو: " يَصدُر " بفتح الياء وضم الدال، من صَدَرَ يَصْدُرُ. والمعنى: حتى يرجعوا من سقيهم؛ لئلا نزاحم الرجال. وقرأ الباقون: [ " يُصْدِرَ " بضم الياء وكسر الدال، من أصْدَرَ يُصْدِرَ، على معنى: حتى] يُصْدِرُوا مواشيهم. [والرعاء]: جمع رَاعٍ، على قياس: تاجر وتجار، وصائم وصيام، وقائم وقيام. { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } أي: طاعن في السن لا يقدر على المشي ومزاحمة الرجال، وكفّ الغنم. المعنى: فلذلك برزنا لسقيها. فلما سمع موسى ذلك رقَّ لهما، { فَسَقَىٰ لَهُمَا } أي: فسقى الغنم لأجلهما. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ذهب إلى بئر أخرى عليها صخرة لا يقلعها إلا جماعة من الناس، فاقتلعها وسقى لهما. وقال ابن إسحاق: زاحم القوم وسقى لهما. وروي: أنه سألهم دلواً من ماء، فأعطوه دلوهم وقالوا: اسْتَقِ بها، وكانت لا ينزعها إلا أربعون، فاستقى بها وصَبَّها في الحوض، ودعى بالبركة، فروَّى غنمهما. { ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ } أي: انصرف إلى ظل شجرة فجلس تحتها من شدة الحرّ جائعاً تَعِباً، { فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ } أي: لأي شيء أنزلته إليّ، { مِنْ خَيْرٍ } أي: طعام قليل أو كثير { فَقِيرٌ } شديد الحاجة إليه. قال الباقر عليه السلام: لقد قالها، وإنه لمحتاج إلى شق تمرة.