قوله تعالى: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } مفسّر في أواخر الأنعام، وأول يوسف، { وَٱسْتَوَىٰ } اعتدل وتمّ استحكامه. قال ابن عباس: أشدّه: ثلاث وثلاثون سنة، واستواؤه: أربعون سنة. { آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } مفسر في سورة يوسف. قوله تعالى: { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ } أي: ودخل موسى مصر، وقيل: مَنْفَ -قرية من مصر-، { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا }. قال علي عليه السلام: دخلها في يوم عيد لهم، وكانوا قد اشتغلوا بلَهْوِهِم. وقال ابن عباس: عند الظهيرة وقت القائلة. وقال وهب بن منبه: بين المغرب والعشاء. { فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ } أي: من بني إسرائيل، { وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ } يعني: من القبط. وقد قيل: إن الذي من شيعته: السامري، والذي من عدوه: طبّاخُ فرعون، وكان سَخَّر الإسرائيلي يحمل له حطباً إلى مطبخ فرعون، { فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } أي: استنصره عليه، { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ } قال الفراء: دَفَعَهُ بأطراف أصابعه. وقال الزجاج: الوَكْزُ: أن يضربه بجميع كَفِّه، وقد قيل: وَكَزَهُ بالعصا. ويقال: وَكَزَهُ ولَكَزَهُ ونَكَزَهُ ولَهَزَهُ بمعنىً واحد، أي: دَفَعَه. وفي قراءة ابن مسعود: " فلَكَزَه موسى ". { فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } أي: فقتله. قال العلماء بالتفسير: كان موسى شديد البطش، فوَكَزَ القبطي فقتله، وهو لا يريد قتله، فندم على ذلك وقال: { هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } أي: بسبب منه؛ لأنه الحامل له على ذلك بتهييج غضبه، { إِنَّهُ عَدُوٌّ } لبني آدم { مُّضِلٌّ } لهم { مُّبِينٌ } العداوة. { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } بقتل من لم تأذن لي في قتله، { فَٱغْفِرْ لِي } فأخبر الله تعالى أنه استجاب دعاءه، فذلك قوله تعالى: { فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }. { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } قال الزمخشري: يجوز أن يكون قَسَماً جوابه محذوف، تقديره: أُقسم بإنعامك عليّ بالمغفرة لأتوبن، { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } وأن يكون استعطافاً، كأنه قال: رب اعصمني بحق ما أنعمت عليّ من المغفرة، فلن أكون ظهيراً للمجرمين إن عصمتني. وقال غيره: ومن باب الاستعطاف ما قال إبراهيم بن هرمة:
باللهِ ربِّكَ إنْ دخلتَ فقلْ لَهُ
هذا ابنُ هَرْمَةَ واقِفاً بالباب
صورته صورة قَسَمٍ لأنه تأكيد على المستعطَفِ، وليس بقسم على الحقيقة، والمستعطَفُ حاجب مروان. قال ابن عباس: المعنى: فلن أكون عوناً للكافرين. وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافراً، وهو قول مقاتل. وقيل: يجوز أن يريد: فلن أكون ظهيراً لفرعون وملئه، فإنه كان مختصاً بصحبته ومنتظماً في جملته ومكثّراً لسواده، بحيث كان يُدعى ولده.