الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ }

قوله تعالى: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } مفسّر في أواخر الأنعام، وأول يوسف، { وَٱسْتَوَىٰ } اعتدل وتمّ استحكامه.

قال ابن عباس: أشدّه: ثلاث وثلاثون سنة، واستواؤه: أربعون سنة.

{ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } مفسر في سورة يوسف.

قوله تعالى: { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ } أي: ودخل موسى مصر، وقيل: مَنْفَ -قرية من مصر-، { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا }.

قال علي عليه السلام: دخلها في يوم عيد لهم، وكانوا قد اشتغلوا بلَهْوِهِم.

وقال ابن عباس: عند الظهيرة وقت القائلة.

وقال وهب بن منبه: بين المغرب والعشاء.

{ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ } أي: من بني إسرائيل، { وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ } يعني: من القبط.

وقد قيل: إن الذي من شيعته: السامري، والذي من عدوه: طبّاخُ فرعون، وكان سَخَّر الإسرائيلي يحمل له حطباً إلى مطبخ فرعون، { فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } أي: استنصره عليه، { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ } قال الفراء: دَفَعَهُ بأطراف أصابعه.

وقال الزجاج: الوَكْزُ: أن يضربه بجميع كَفِّه، وقد قيل: وَكَزَهُ بالعصا. ويقال: وَكَزَهُ ولَكَزَهُ ونَكَزَهُ ولَهَزَهُ بمعنىً واحد، أي: دَفَعَه.

وفي قراءة ابن مسعود: " فلَكَزَه موسى ".

{ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } أي: فقتله.

قال العلماء بالتفسير: كان موسى شديد البطش، فوَكَزَ القبطي فقتله، وهو لا يريد قتله، فندم على ذلك وقال: { هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } أي: بسبب منه؛ لأنه الحامل له على ذلك بتهييج غضبه، { إِنَّهُ عَدُوٌّ } لبني آدم { مُّضِلٌّ } لهم { مُّبِينٌ } العداوة.

{ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } بقتل من لم تأذن لي في قتله، { فَٱغْفِرْ لِي } فأخبر الله تعالى أنه استجاب دعاءه، فذلك قوله تعالى: { فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }.

{ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } قال الزمخشري: يجوز أن يكون قَسَماً جوابه محذوف، تقديره: أُقسم بإنعامك عليّ بالمغفرة لأتوبن، { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } وأن يكون استعطافاً، كأنه قال: رب اعصمني بحق ما أنعمت عليّ من المغفرة، فلن أكون ظهيراً للمجرمين إن عصمتني.

وقال غيره: ومن باب الاستعطاف ما قال إبراهيم بن هرمة:
باللهِ ربِّكَ إنْ دخلتَ فقلْ لَهُ   هذا ابنُ هَرْمَةَ واقِفاً بالباب
صورته صورة قَسَمٍ لأنه تأكيد على المستعطَفِ، وليس بقسم على الحقيقة، والمستعطَفُ حاجب مروان.

قال ابن عباس: المعنى: فلن أكون عوناً للكافرين. وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافراً، وهو قول مقاتل.

وقيل: يجوز أن يريد: فلن أكون ظهيراً لفرعون وملئه، فإنه كان مختصاً بصحبته ومنتظماً في جملته ومكثّراً لسواده، بحيث كان يُدعى ولده.