قوله تعالى: { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ } أي: اذكر يا محمد إذ قال موسى لامرأته: { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } عن الطريق، { أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ }. قرأ أهل الكوفة: " بِشِهَابٍ " بالتنوين، وقرأ الباقون بالإضافة. قال الزجاج: من نوَّن جعل " قَبَس " من صفة الشهاب. وقال غيره: " قبس " بدل من " شهاب ". ومن أضاف؛ فقال الفراء: هو مما يضاف إلى نفسه إذا اختلف الاسمان، كقوله تعالى:{ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ } [يوسف: 109]. وأبى هذا القول نُحاة البصرة وقالوا: الشيء لا يُضاف إلى نفسه وإنما يضاف إلى غيره لتخصُّصه أو تعرُّفه، فأما قوله تعالى:{ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ } [يوسف: 109] فتقديره: ولدار الساعة الآخرة، على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، ومثله:{ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } [ق: 9] أي: وحَبّ النبت الحصيد. ومن كلامهم: صلاة الأولى، ومسجد الجامع، والتقدير فيهما: صلاة الفريضة الأولى، ومسجد اليوم الجامع. وقال الزمخشري: الشِّهاب: الشُّعْلة، والقَبَس: النار المقبوسة، وإضافة الشهاب إلى القبس؛ لأنه يكون قبساً وغير قبس. { لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي: تستدفئون من البرد، وكان ذلك في شدة الشتاء. { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ } " أنْ " هي المفسرة؛ لأن النداء فيه معنى القول، والتقدير: قيل له: بورك. { مَن فِي ٱلنَّارِ } قال ابن عباس والحسن: أي قُدِّسَ من في النار، وهو الله عز وجل. { وَمَنْ حَوْلَهَا } من الملائكة. والمعنى: قُدِّسَ من ناداه من النار؛ لأن الله تعالى لا يَحِلُّ في شيء. وقيل: " بُورك " فُوعِلَ من البركة، وهو على حذف المضاف، على معنى: بُورك من في طلب النار، فتكون تحية من الله عز وجل لموسى بالبركة، كما حيّا آل إبراهيم بالبركة على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه، في قوله تعالى:{ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } [هود: 73]. وقيل: " مَنْ " زائدة؛ كقول الشاعر:
فكفى بنا فَضْلاً على مَنْ غيرنا
حُبُّ النبي محمدٍ إيـــانـــا
والتقدير: بورك في النار، وهذا معنى قول مجاهد. وقيل: المعنى: بورك من في النار من الملائكة، ومن حولها وهو موسى؛ لأنه كان بالقُرب منها ولم يكن فيها. وقيل: المعنى: بورك في مكان النار، وهو عام في كل من كان في تلك الأرض وفي ذلك الوادي، ومن حولها من أرض الشام، كما قال تعالى:{ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 71]. وحقيق لتلك الأرض أن تكون بالبركة موصوفة؛ لأنها مَقَرُّ الأنبياء ومستودَعُهُم، أحياءً وأمواتاً، ومهبط الوحي والملائكة. قوله تعالى: { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } الضمير في " إنه " ضمير الشأن، " أنا الله " مبتدأ وخبر، " العزيز الحكيم " صفتان للخبر. وقال الفراء: الهاء في " إنه " عِمَادٌ.