الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ } أي: اذكر يا محمد إذ قال موسى لامرأته: { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } عن الطريق، { أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ }.

قرأ أهل الكوفة: " بِشِهَابٍ " بالتنوين، وقرأ الباقون بالإضافة.

قال الزجاج: من نوَّن جعل " قَبَس " من صفة الشهاب.

وقال غيره: " قبس " بدل من " شهاب ".

ومن أضاف؛ فقال الفراء: هو مما يضاف إلى نفسه إذا اختلف الاسمان، كقوله تعالى:وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ } [يوسف: 109].

وأبى هذا القول نُحاة البصرة وقالوا: الشيء لا يُضاف إلى نفسه وإنما يضاف إلى غيره لتخصُّصه أو تعرُّفه، فأما قوله تعالى:وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ } [يوسف: 109] فتقديره: ولدار الساعة الآخرة، على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، ومثله:وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } [ق: 9] أي: وحَبّ النبت الحصيد.

ومن كلامهم: صلاة الأولى، ومسجد الجامع، والتقدير فيهما: صلاة الفريضة الأولى، ومسجد اليوم الجامع.

وقال الزمخشري: الشِّهاب: الشُّعْلة، والقَبَس: النار المقبوسة، وإضافة الشهاب إلى القبس؛ لأنه يكون قبساً وغير قبس.

{ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي: تستدفئون من البرد، وكان ذلك في شدة الشتاء.

{ فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ } " أنْ " هي المفسرة؛ لأن النداء فيه معنى القول، والتقدير: قيل له: بورك.

{ مَن فِي ٱلنَّارِ } قال ابن عباس والحسن: أي قُدِّسَ من في النار، وهو الله عز وجل.

{ وَمَنْ حَوْلَهَا } من الملائكة.

والمعنى: قُدِّسَ من ناداه من النار؛ لأن الله تعالى لا يَحِلُّ في شيء.

وقيل: " بُورك " فُوعِلَ من البركة، وهو على حذف المضاف، على معنى: بُورك من في طلب النار، فتكون تحية من الله عز وجل لموسى بالبركة، كما حيّا آل إبراهيم بالبركة على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه، في قوله تعالى:رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } [هود: 73].

وقيل: " مَنْ " زائدة؛ كقول الشاعر:
فكفى بنا فَضْلاً على مَنْ غيرنا   حُبُّ النبي محمدٍ إيـــانـــا
والتقدير: بورك في النار، وهذا معنى قول مجاهد.

وقيل: المعنى: بورك من في النار من الملائكة، ومن حولها وهو موسى؛ لأنه كان بالقُرب منها ولم يكن فيها.

وقيل: المعنى: بورك في مكان النار، وهو عام في كل من كان في تلك الأرض وفي ذلك الوادي، ومن حولها من أرض الشام، كما قال تعالى:وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 71].

وحقيق لتلك الأرض أن تكون بالبركة موصوفة؛ لأنها مَقَرُّ الأنبياء ومستودَعُهُم، أحياءً وأمواتاً، ومهبط الوحي والملائكة.

قوله تعالى: { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } الضمير في " إنه " ضمير الشأن، " أنا الله " مبتدأ وخبر، " العزيز الحكيم " صفتان للخبر.

وقال الفراء: الهاء في " إنه " عِمَادٌ.

السابقالتالي
2