الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } * { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } * { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } * { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } قال ابن عباس: يريد: النفخة الأولى.

{ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } وذلك حين يصعقون ويموتون لشدة الخوف، { إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } وهم الشهداء، في قول ابن عباس وأبي هريرة وأكثر المفسرين.

وقال مقاتل: هم جبريل، وميكال، [وإسرافيل]، وملك الموت.

وقال الضحاك وأبو إسحاق بن شاقلا: هم الذين خُلقوا للبقاء، [كالحور] العين، وخَزَنة النار، وحَمَلَة العرش.

{ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } أصلها: آتِيُونَه، فاعِلُونه، فلما انضمت الياء وقبلها كسرة استُثْقِل ذلك فيها، فألقيت حركة الياء على التاء وحذفت كسرة التاء، فاجتمع ساكنان: الياء والواو، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، وكانت أولى بالحذف؛ لأن الواو تدل على الجمع، وحذفت النون للإضافة، والهاء في موضع خفض لإضافة اسم الفاعل إليها.

[والمعنى]: وكلٌ يأتون الله تعالى يحضرون الموقف.

وقرأ حمزة وحفص عن عاصم: " أَتَوْهُ " بالقَصْر وفتح التاء، جعلاه فعلاً ماضياً.

{ دَاخِرِينَ }: صاغرين ذليلين.

قوله تعالى: { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } أي: واقفة.

قال ابن قتيبة: هذا يكون إذا نُفِخ في الصُّور، تُجْمَعُ الجبال وتُسَيَّر، فهي لكثرتها تُحْسَبُ جامدة.

{ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } أي: تسير سَيْرَ السحاب، وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد، كالجيش العظيم إذا تحركت يحسبها الناظر واقفة، كما قال النابغة يصف جيشاً:
بأرْعَنَ مثلِ الطَّوْدِ تحسِبُ أنهم   وُقوفٌ لِحاجٍ والرِّكابُ تُهَمْلِجُ
والأرْعَن: الجبل الكثيف.

{ صُنْعَ ٱللَّهِ } قال الزجاج: هو منصوب على المصدر؛ لأن قوله: { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } دليل على الصَّنْعَة، فكأنه قال: صَنَعَ الله تعالى ذلك صُنْعاً.

{ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } أحكمه وأبرمه، { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } أي: بما يفعل العباد، طائعهم وعاصيهم.

وقرأ نافع وابن عامر في رواية عنه وأهل الكوفة: " تفعلون " بالتاء، على المخاطبة للعباد.

قوله تعالى: { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ } مفسّر في آخر الأنعام.

{ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } وهو الثواب المضاعف الدائم.

وقيل: المعنى: فله خير حاصل من جهتها، وهو الجنة.

{ وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } قرأ أهل الكوفة: " فَزَعٍ " بالتنوين، وقرأ نافع وأهل الكوفة: " يومَئذٍ " [بفتح الميم. وقرأ الباقون: " فَزَعِ " بغير تنوين على الإضافة، " يومِئذٍ " بخفض] الميم.

قال الفراء: الإضافةُ أعجب إليّ في العربية؛ لأنه فَزَعٌ معلوم، ألا ترى إلى قوله تعالى:لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [الأنبياء: 103] فصيّره معرفةً، فإذا أضفْتَ وكان معرفةً كان أحب إليّ.

واختار أبو عبيدة قراءة التنوين وقال: هي أعمّ التأويلين، فيكون الأمن [من] فزعٍ من جميع ذلك اليوم.

قال أبو علي الفارسي: إذا نوّن يجوز [أن يُعْنى به فزع واحد، ويجوز] أن يُعْنى به الكثرة؛ لأنه مصدر، والمصادر تدل على الكثرة، وإن كانت مفردة الألفاظ، كقوله تعالى:

السابقالتالي
2